أحوال اللبنانيين من أحوال البلد، من سيء الى أسوأ، سياسيا واقتصاديا ومعيشيا وصحيا ونفسيا. ما نحن فيه معروف، ويدركه او يشعر به معظم اللبنانيين. الغضب يزاوج اليأس. الأمل شبه معدوم في ظل سلطة فاشلة وفاسدة ومتهالكة، ولكنها في الوقت نفسه فاجرة ووقحة ومرتهنة. غير انها لا مبالية و"مرتاحة على وضعها" لأن معارضيها يصطفون الآن في المعارضة بانتظار ان تحين عودتهم الى السلطة فيما انتفاضة تشرين الشعبية ضائعة، حائرة، هائمة على وجهها، مشلولة لا برنامج واضح لديها، ولا أهداف محددة ولا قيادة مشتركة، وبعضها احتياطي للسلطة... الازمة تتعمق، والفراغ مريب، ولبنان عالق في اللامكان!
غير ان ما هو عصي على الفهم وعلى قدرة الكائن البشري على الاستيعاب والتفسير هو هذا المدعو حسان دياب الذي طابت له الاقامة في السراي الحكومي. شخصية فريدة من نوعها، غريب الاطوار؛ كل ما يقوله ويفعله لا علاقة له لا بالعقل ولا بالمنطق ولا حتى بممارسة السلطة، ولا بتعاطي السياسة بما هي فن الممكن وحسن ادارة الشأن العام. يتصرف وكأنه لا يدرك ماذا يجري من حوله. مسكون بهاجس العظمة وهو صغير، وبعقدة الأنا وهو "لا أحد" كما قال عنه وليد حنبلاط، ويدعي انه مستهدف والمؤامرة تلاحقه، وهو فعليا ليس صاحب قرار ولا حضور، وانما مجرد رجع صدى. دونكيشوتي، يعيش بطولات وهمية تعبر في مخيلته هو فقط، نرجسي في الشكل والمضون، شعوره بالنشوة يدفعه هذه الايام الى التكرار بانه لن يستقيل...
وآخر فضيحة أخجلت وأحرجت مفتي الجمهورية الذي كان واقفا الى جنبه، ما قاله أمس من دار الفتوى ردا على سؤال لاحد الصحافيين: "هل لبنان ما زال تحت السيطرة؟" وهذا تساؤل طرحه أحد المسؤولين في الأمم المتحدة. اجاب دياب: "لبنان لن يكون تحت السيطرة طالما انا في هذا المركز"؟!! لم يفهم المسكين ما القصد من مصطلح "تحت السيطرة"... هذا هو رئيس مجلس الوزراء الجالس اليوم على كرسي رئاسة حكومة لبنان خلفا لرياض الصلح ورشيد كرامي وصائب سلام وعبدالله اليافي وتقي الدين الصلح ورفيق الحريري وآخرين. ليؤكد ان رئاسة الحكومة اليوم ليست افضل حالا من رئاسة الجمهورية التي يشغلها ميشال عون بعد بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو والياس سركيس.
استدعي على عجل بعد ان استنفدت كل محاولات "الثنائي الشيعي" لايجاد بديل يمكن ان يعوض (سنيا) عن سعد الحريري ولو جزئيا. دخل دياب السراي كبدل عن ضائع، محاولا الايحاء انه الأصيل. بدأ فورا لعبة الرجل المحظوظ الذي ربح ورقة يانصيب والمزهو بنصيبه، ونسي او تناسى انه شخص عادي لم يكن له اي دور ولم يكن يعرفه أحد من قبل. تماما مثل جبران باسيل الذي تزوج ابنة الجنرال. وراح يضع شروطه، حكومة تكنوقراط ومستقلين، وبرنامج اصلاحي لحكم المئة يوم، وكباش حول عدد الوزراء والحقائب حتى خلا للمرء انه نابوليون جديد قادم على حصانه الابيض لانتشال لبنان من محنته. شكل حكومة تحاصص حزبي طائفي بامتياز من اشخاص لا يفقهون شيئا، ولا علاقة لهم بالسياسة والشأن العام، ميزتهم الوحيدة انهم يدينون بالولاء لمن أتى بهم اي الى محور الممانعة عون-نصرالله-بري-فرنجيه. وكانت أول خطوة "مهمة" قام بها ان انتقل الى الاقامة في السراي مع عقيلته، واحاط نفسه بمجموعة مستشارين استقال اخيرا معظمهم. ثم اطلاقه العمل الحكومي عبر سلسلة لجان تعقد اجتماعات تستمر حتى منتصف الليل، وبوتيرة شبه يومية، من دون نتيجة تذكر. ثم جاء وباء "كورونا" ليكشف لنا عبقرية وزير الصحة (الحزبللاوي) وادراته للازمة التي عادت وانفجرت مجددا، وبمعدل اصابات أعلى مما كان عليه مع بداية انتشار الوباء! اما زملاءه فما زالوا ساهون عما يجري من حولهم، وعن ستة عشر اجتماعا عقدت مع صندوق النقد الدولي لم تؤدي الى اي نتيجة بعد، فيما فريق دياب يتلهى، وبتعاط غير مسؤول، بتقديم ارقام غير حقيقية لاخفاء حقيقة العجز. ثم يخرج دياب على اللبنانيين معلنا انه انجز 97 % مما وعد به في المئة يوم. من هذه الانجازات، على سبيل المثال لا الحصر، ان لبنان يعيش في العتمة الكاملة منذ نحو اسبوع.
ان يكون جاهلا الى هذا الحد، فهذه مصيبة البلد فيه وليس مصيبته!