"العالم ينظر الى ما فعلنا من انجازات"... جنون عظمة أم حلم في اليقظة؟!
وقف ساكن السراي كالطاووس مزهوا بنفسه، وبما لم يحققه من سبقه ولا ما لن يتمكن من تحقيقه من سيأتي بعده. فتوحات نابوليون بونابرت بدت لا شيئا أمام عظمة انجازاته التي بلغت على حد قوله 97 في المئة من التزاماته. بدا المشهد سورياليا بامتياز لدرجة ان الجماهير راحت تزحف من قرى ودساكر ومدن لبنان، من الشمال والبقاع والجنوب وجبل لبنان، نحو السراي الذي كان عثمانيا ثم فرنسيا واليوم ساقطا بيد "حزب الله". حشود تنادي به امبراطورا على المهمة التي انتدب لها اي ادارة التفليسة من داخل القلعة التي تحصن بها وأحكم إغلاقها كما ارتأى المايسترو ... طالما ان "الجماهير" غشيمة وتنقاد بسهولة وتصفق للمتوج!
بطبيعة الحال، لا يمكن فهم نهج واداء الرجل اذا لم نحاول فهم شخصيته. قدرا من النرجسية بما هي حالة أقرب الى عقدة نقص يبدو ظاهرا في طريقة تعاطيه ومقاربته للأمور و"أستذته" على وزرائه. ان نسبة 97% من الانجازات التي تباهى بها هي بمثابة اعلان مبايعة يتفوق به على النمط الذي كان سائدا عند الحكام والديكتاتوريين العرب الذين ظلوا يبايعون بنسب مماثلة على مدى عقود بعد ان يصلوا على متن دبابة الى القصر، حتى ان انفجرت ثورات "الربيع العربي". غير ان هذه المبايعة هنا ليست لشخص دياب بل لانجازاته؛ فهو لا يريد شيئا لنفسه، لذلك المبايعة ليست زعاماتية، صنمية، عمياء، انما هي "لأفعال" في صالح العامة. هو يعتبرها انقاذية، حياتية، خدماتية، نظرا للانهيار الاقتضادي والفقر واليأس المتفشي والكفر ممن نصبه واليا على السراي.
ان هذه الانجازات المزعومة هي بكل بساطة لا شيء، مجرد كلام فارغ من اي مضمون، كلام في الهواء لارضاء الذات، لارضاء الأنا المرضية، قبل ان تكون استخفافا بعقول الناس! وكيف يمكن له التباهي بما لم يحقق، ويكتب في اليوم عينه في صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية محذرا من ان لبنان قادم على مجاعة؟! أم ان هذا تشاطر على الاميركيين والغرب املا باستدرار عطفهم...
ان كل ما قاله ووعد به حسان هو عمليا عكس ما حصل، او ما لم يحصل ابدا. بدءا من الازمة النقدية التي شن من أجلها حربا على حاكم مصرف لبنان رياض سلامه، وكال له أبشع الاتهامات ثم تراجع، وهو الآن يبحث معه عن تسوية-مخرج في محاولة لترتيب الأوراق وتوحيد الأرقام من اجل التفاوض مع صندوق النقد الدولي، الذي لا يثق بأرقام الفريق الحكومي. اما بالنسبة لسعر صرف الليرة، فقد قال في خطته الانقاذية انه يريد ان يصل الى تحريره عام 2024 ثم عاد تحت ضغط أسياده يطالب سلامه بضخ دولار في الاسواق كي يضبط سعر الصرف. ولكن الحقيقة هي ان "حزب الله" يسعى جاهدا لتمرير ولو مليار دولار بين نقدي وتهريب نفط وطحين للنطام السوري عبر المعابر غير الشرعية قبل أول حزيران القادم، موعد بدء تطبيق قانون عقوبات "سيزر" الاميركي ضد نظام بشار الاسد، وضد كل من يحاول ان يمده باي مساعدة او دعم من دول و أطراف حليفة، بما فيها ايران وروسيا. ناهيك عن فشل محاولات اقرار قانون "الكابيتال كونترول" وكذلك "الهيركات" الذي حاول دياب تمريرهما. أما مزراب الهدر الكبير في الكهرباء مغارة علي بابا فهو أكبر منه بكثير؟! وهذا التقنين في ساعات التغذية في هذا الحر الاستثنائي فيشكل فضيحة الفضائح.
لم ينجح ساكن السراي حتى في ضبط أسعار السلع والمواد الغذائية ووقف شجع التجار في ظل غياب اي رقابة او محاسبة. حتى "اختصاص" وزرائه فلم يشفع لهم وله. وقد صرف حسان معظم المئة يوم في الاستمتاع بالاقامة في السراي، وعقد الاجتماعات المستمرة، وكتابة التقارير، ووضع الخطط الورقية، وتشكيل اللجان لينتهي القرار في يد المجلس الأعلى للدفاع الذي يترأسه "الرئيس القوي" ميشال عون... وقد جهد دياب المسكين لاقرار التعيينات القضائية والمالية خارج منطق المحاصصة ظنا منه انه مستقل وسيد قراره، او هو تظاهر بذلك، فلم يفلح حتى في المونة على وزرائه، ولا على رئيس الجمهورية بطبيعة الحال، عندها قرر الانخراط والاشتراك في المحاصصة عبر انتزاع مركز محافظ بيروت كحصة له، فوقع في فخ "السطو" على حصة طائفة من غير طائفته. أما التصدي لوباء "كورونا" الذي بدا انه النجاح النسبي الوحيد، فقد اصيب بانتكاسة في الأيام الأخيرة، وراحت الاصابات تقفز باعداد بلغت معدل ستين حالة في اليوم الواحد.
الم يكن الأجدر بدولته ان يتواضع قليلا، ويقلب النسب، ويتخلى عن هاجس العظمة، ويتكلم عن 3 % من الانجازات بدل 97%، علما انه لم تكن هناك من ضرورة ولا من مبرر لاجتراح بطولات وهمية بعد 3 أشهر في السلطة. وربما الانجاز الأهم الذي بامكان دياب المسكين تحقيقه هو مغادرة الفصر الحكومي في اسرع وقت واسقاط "ورقة التوت" عن الحاكم الفعلي!