في ظل التراكم الرهيب للأزمات والتي بلغت حد الإستعصاء مع عجزٍ فاضح للسلطة، فقد صارت استقالة رئيس الجمهورية ميشال عون هي نقطة الانطلاق لخروج لبنان من جهنم التي قاده العهد الميمون اليها. وفي كل الحالات ودون العودة الى كل الاخطاء - الجرائم التي ارتكبها العهد، فعون اليوم فعليا ليس رئيسا للدولة بل هو رئيس لهيئة استشارية اسمها المجلس الاعلى للدفاع الذي لا قيمة لقراراته دون موافقة مجلس الوزراء.
ان ما صارت اليه الرئاسة من انعدام الثقة كليا بها في الداخل والخارج هو عنصر اساسي في انهيار العملة اللبنانية، ولا وقف لهذا الانهيار سوى برئيس جديد يبادر إلى إعادة الثقة والهيبة للرئاسة. وهذا الامر هو رأس المطالب الشعبية كما هو وجهة الانتفاضة الحالية، لأن الجميع بدأ يدرك ان من يضحي بلبنان وبالمسيحيين خصوصا لأجل التوريث ليس في مقدوره تقديم اي انجاز سوى متابعة هدم المؤسسات وتهجير الكفاءات والمواهب العلمية والطبية لإفراغ لبنان من غالبية سكانه وتسليمه لمشروع الهلال الفارسي، لكي يتحول الى صورة سوريا الحالية - نصف السكان مهجرين وجائعين والعاصمة تحتلها ميليشيات ايران والطرقات مفتوحة لكل انواع الميليشيات الأخرى.
وما يُقرأ في الوضع الراهن سياسيا، خصوصا على مستوى استقالة رئيس الجمهورية، فإن كلمة أمين عام حزب الله حسن نصرالله الاخيرة، في الرد على قرار باسيل تسليمه او استيداعه حقوق المسيحيين، أكدت على أن العرقلة تأتي من جهة رئيس الجمهورية. وهذه الكلمة - الخطاب كانت إعلاناً من الامين العام أنه لم يعد قادراً على تغطية مواقف العهد ومسألة التوريث ويريد فعلا ان يبدأ بأخذ مسافة واضحة من ممارسات التيار وطموحات رئيسه، لأن ذلك صار مكلفاً على الصعيد الشعبي. فما يسمى البيئة الحاضنة صارت، كما جميع اللبنانيين، على حافة الجوع وانهيار الخدمات من كهرباء ومياه ومحروقات وادوية، كما وصلت إلى مرحلة سقوط خطاب الممانعة وكل وعوده المنتفخة التي لم تعد تطعم جائعا او تساعد مريضا او تؤمن فرصة عمل واحدة لأبناء هذه البيئة. حزب الله وحليفه لم يعودا قادرَين على احتواء الغضب الشعبي لأنهما قادا هذه البيئة الى أبشع مراحل الاذلال وفقدان الكرامة وهذه نقطة من نقاط اللاعودة.
من جهة ثانية، فإن كل ما يقوله نصرالله في الاقتصاد ومؤخراً في موضوع استيراد المحروقات من ايران يطرح سؤالا اساسيا: لماذا لا تقدم ايران هبة من البنزين والمازوت للبنان. لقد قدمت ايران ما يوازي اكثر من اربعين مليار دولار دعما لنظام الاسد وهي تبخل على لبنان بهبة لا تتجاوز مليون طن وثمنها لا يساوي عشرة بالمئة من حاجات لبنان. اللبنانيون يريدون شرحا، لماذا تصر ايران على بيع لبنان وقبض الثمن بالليرة اللبنانية لكي تعاود تحويل هذه المبالغ الى الدولار من السوق اللبنانية وبالتالي تأجيج سعر صرف الدولار صعودا لكي يدفع المواطن اللبناني الثمن مرتين. كما فات نصرالله ان الدولة شراكة تحت سقف الدستور واتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية وهو الذي خرج عليهم بسلاح ميليشياته، وهي ليست شركة مُساهمة يضع كل مساهم حصته. فلا حلاً طائفياً للأزمة اللبنانية، والأهم من هذا، وعن قناعة، هو أن الطوائف هي تشكيلات اجتماعية دينية وليست صاحبة اختصاص لتحل محل الدولة.
الانهيارات والنهائيات اللبنانية معطوفةً على المواطن اللبناني المقهور على بلده الذي ينهار امام اعينه، جعلت جميع اللبنانيين يتطلعون بأمل كبير الى اجتماع قداسة البابا مع رؤساء الكنائس اللبنانية لبحث امكانيات وقف انهيار لبنان والحفاظ على كيانه من الزوال وشعبه من التشتّت. ان الامل معقود على الفاتيكان بالتعاون مع كل اصدقاء لبنان للقيام بمبادرة حشد دولي لتنفيذ مبادرة بكركي، التي أيدتها الكنائس وكل الاطراف اللبنانية. والجوهري في هذه المبادرة هو اعلان حياد لبنان وتنفيذ القرارات الدولية اي تحرير الشرعية اللبنانية من الارتهان لسياسات ايران التدميرية في المنطقة، وهي سياسات لن تتراجع عنها ايران من دون ضغوط دولية قوية وعقوبات اقوى. وعلى المجتمع الدولي، كما انه يطالب بوتين وأردوغان بسحب ميليشياتهما من الدول التي تدخلا فيها، ان يطالب ايران والمرشد بسحب السلاح الايراني وتفكيك الميليشيات في كل الدول التي تتدخل فيها ايران وبالأخص لبنان.
الحياد يعني أن السيادة للدولة وانتهاء زمن الميليشيات.