هل أصبحت الحياة السياسية اللبنانية خالية من المفاجئات فعلاً؟ سبب السؤال هو لقاء الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجبران باسيل بدعوة من الأمين العام لحزب الله. فهل اللقاء يعدّ مفاجأة بعد ستّ سنوات أو أكثر من الخصومة وتبادل الإتهامات بين الرجلين، أم هو أمرٌ متوقّع وعادي؟
فشكل اللقاء وسرعته من حيث حصوله بلا مقدمّات سياسيّة وشخصية يعرّيان خصومة الرجلين إذ يؤكدان أنّ الخلاف بينهما لم يكن خلافاً سياسياً يتمحور حول عناوين سياسيّة بل كان خلافاً على النفوذ ولحسابات سلطوية بحت؛ وإلّا لماذا إختلفا كلّ هذا الوقت وإلتقيا الآن لمجرّد دعوتهما من قبل السيّد حسن نصرالله؟
والأهمّ أنّ اللقاء في توقيته والطريقة التيّ تمّ بها أملته حسابات ومصلحة حزب الله قبل مصلحة وحسابات فرنجية وباسيل، أو أنّ أولويتهما تبقى إرضاء الحزب وتنفيذ أجندته، لأنّه من دون ذلك فإنّ أيّاً منهما لا يستطيع تنفيذ أجندته.
لذلك فإنّ لقاء فرنجية – باسيل لم يكن مفاجئاً بل على العكس فقد كان متوقّعاً في ظلّ سعي الحزب إلى تأمين الفوز في الانتخابات وترتيب مرحلة ما بعدها بالنظر إلى استحقاقاتها الكثيرة والمهمّة بدءاً بتأليف الحكومة ثمّ انتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك استكمال الإجراءات لتوقيع الإتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي. وهو ما يحسب له الحزب ألف حساب لأنّه مهتمّ بترسيخ نفوذه الإقتصادي في لبنان. وبالتالي سيسعى الحزب لكي يكون الإتفاق مع الصندوق لمصلحته وإلّا فسيرفضه ويعمل على تعطيله. وقد سبق أن أعطى إشارات عديدة حول الكيفية التي سيتعاطى بها مع الصندوق، وتراوحت بين رفض الإتفاق معه والتلويح بخيارات بديلة وبين القبول باتفاق مشروط معه.
وهناك أسبابٌ أخرى لعدم استغراب لقاء فرنجية – باسيل؛ فرئيس "المردة" الذي رشّحه الرئيس سعد الحريري لرئاسة الجمهورية في خريف العام 2015، وتلقّى بعدها اتصال دعمٍ نادراً من الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند، بقيَ ملتزماً حتّى اللحظة الأخيرة بتوجّهات الحزب في ملفّ رئاسة الجمهورية. فبينما كان الجميع يرجّح فوزه بالنظر إلى عدد الأصوات التي سينالها قاطع "الزعيم الزغرتاوي" جلسة انتخاب الرئيس لأنّه لم يضمن مشاركة الحزب فيها. فلا استعداد النوّاب لانتخابه ولا اتصال ماكرون به عنيا له شيئاً ما دام الحزب لن ينتخبه.
من جهتّه فإنّ رئيس التيار الوطني الحرّ الذي حاول طيلة الفترة الماضية إظهار استقلاليته عن الحزب وصولاً إلى مطالبته بمراجعة ورقة التفاهم معه، عاد وتحالف مع الحزب في الإنتخابات من دون أي مراجعة لموقفه منه. إكثر من ذلك فهو تحالف مع حركة "الأمل" بالرغم من اتهامه لرئيسها بالفساد؛ والأفدح أنّه كرّر أمام جمهوره خلال إعلان لوائح تياره أنّه ماض حتّى النهاية في محاربة الفساد، معدّداً جميع الفاسدين ما عدا حلفائه.
لكن الملفت أنّ فرنجية الذي ما زالت زعامته ترتكز على العلاقات العائلية والسياسية التقليدية وتحديداً في زغرتا إضطّر إلى تبرير لقائه مع باسيل على مائدة نصرالله، فقال إنّ اللقاء تمّ بناء على دعوة نصرالله ولو دعاه رئيس الجمهورية أو البطريرك الماروني إلى لقاء مماثل لكان لبّى الدعوة. كما كان ألمح قبل اللقاء إلى إمكان التحاور مع باسيل بعد الإنتخابات. بينما لم يأت باسيل أبداً على ذكر هذا اللقاء لأنّه لم يجد نفسه مضطراً إلى تبريره أمام محازبيه الذين يفاخرون بديموقراطية وحداثة تيارهم مقابل البنى السياسية التقليدية. وهل تترك حركة باسيل ومواقفه أدنى شكّ في ديموقراطية اتخاذ القرارات في التّيار؟!؟
وهذا أمرٌ غير مفاجئ أيضاً؛ فالتيار الوطني الحرّ بنى كلّ خطابه على تظهير خصوماته وعداواته حتّى لو كانت هذه العداوات والخصومات متحرّكة بحسب الظرف السياسي. بالتالي فإنّ باسيل لا يجد نفسه مضطراً لتبرير تحالفاته ما دام متيقناً أنّ مجرّد مهاجمة خصومه وأعدائه سواء القدامى أو الجدد سيرضي محازبيه ويطمئنهم إلى أنّهم لم يفقدوا مبررات انتمائهم إلى التيار، حتّى لو كان باسيل قد تحالف في الماضي مع هؤلاء الأعداء والخصوم.
من جانب آخر فإنّ استدعاء نصرالله لباسيل وفرنجية على عجل بعد سنوات من الخلافات بينهما من دون أن يتحرّك حزب الله جدّياً لرأب هذه الخلافات أو التخفيف من حدّتها، يبيّن أنّ الحزب أراد من خلال لقاء باسيل – فرنجية إظهار هيمنة سياسية ومعنوية على حلفائه، وإلّا لكان طلب منهما التوطئة لهذا اللقاء بخطوات متبادلة تهيء لإنعقاده. لكن تصرفّ الحزب ليس مفاجئاً هو الآخر!