بعد مرور أقل من 48 ساعة على الاطلالة الاخيرة للامين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصرالله، والتي خصص معظم الساعتيّن منها تقريبا للكلام على تداعيات حكم المحكمة العسكرية الذي قضى بتخلية آمر معتقل الخيام إبان الاحتلال الإسرائيلي للجنوب عامر الفاخوري، حتى سقط قتيلا انطوان الحايك بالرصاص في بلدته المية ومية في منطقة صيدا.وفي الرواية التي رافقت مصرع الحايك، والتي وردت في وسائل إعلام بعيدة عن الحزب الذي تجاهل ما حدث، ان القتيل كان مساعدا للفاخوري، ما يوحي ان الحايك دفع ثمن إطلاق رئيسه السابق.فهل هذه الرواية في محلها؟
اوساط شيعية محايدة ،تابعت ولا تزال تطورات إطلاق الآمر السابق عن معتقل الخيام، تقول ل"النهار" ان الضجة التي رافقت حكم المحكمة العسكرية ما زالت تعصف في وجه "حزب الله". ورأت ان المواقف التي أطلقها نصرالله في كلمته المتلفزة في 20 الجاري عبر قناة "المنار" التابعة للحزب ، لم تنه هذه الضجة. ولفتت الى ضرورة الوقوف عند ما ورد في هذه الكلمة عندما قال نصرالله :"من نكد الدهر بعد تلك الشيبة أنا أطل على التلفزيون حتى أجلس وأدافع عن حزب الله وأدافع عن المقاومة بموضوع عميل إسرائيلي..." وخلصت الى القول: "إنه الوباء الذي ضرب بيئة حزب الله، والذي غطى بنتائجه في هذه البيئة وباء الكورونا الذي يجتاح لبنان والعالم".
كان لافتا أيضا في بعض وسائل أعلام أبرازها أنتماء الحايك الى حزب "القوات اللبنانية". ربما يفسر هذا الارتباط موقف رئيس الحزب سمير جعجع الذي وصف الاغتيال بأنه "طعنة بالصميم للدولة اللبنانية قبل أي شيء آخر". وقال: "من غير المقبول إطلاقاً ان يقدم فريق، وكما يبدو من معالم الجريمة بانه منظم، على اغتيال المواطن أنطوان الحايك في وضح النهار بالرغم من انه كان قد خضع للقضاء اللبناني والقوانين اللبنانية على أفضل ما يكون".
غير ان جعجع لم يكن وحده من سجل موقفا من الاغتيال، بل سبقه الى ذلك من المية ومية راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك المطران إيلي حداد، الذي إستنكر مقتل الحايك قائلا: "هذه اسمها فوضى في الوقت الذي مَنْ كان يجب أن يُطال هرب، وهناك أناس كثر يمكن أن تعيد الدولة محاكمتهم أو أنها حاكمتهم سابقاً". وطلب من الدولة "أن تضع يدها على هذه الملفات، لا أن نكون نحن محل الدولة".
أما النائب نديم الجميل فذكّر ان "العمالة ليست وجهة نظر. وإذا قتل (الحايك) لأنه عمل مع الفاخوري ومع جيش لحد، فالذي يعمل اليوم لمصلحة إيران وسوريا ليس أفضل".
في سياق متصل كتب الدكتور توفيق كسبار على موقع "حركة المبادرة الوطنية " الالكتروني يقول :"يعرّف قاموس"الرائد" لجبران مسعود العميل ب"جاسوس أو خادم لدولة أجنبية في بلده". هذا تعريف جيّد. والعميل اللبناني لدولة عدوة كإسرائيل مستهجن بشكل خاص خصوصًا من تلطخت يداه بالأذى ودم اللبنانيين وتعذيبهم أو قتلهم في المعتقلات، كما يبدو فعل عامر الفاخوري. وأنا بكل صدق أتفهّم وأشارك عواطف ومواقف المعتقلين السابقين والمقاومين الحقيقيين تجاه تحرير الفاخوري.
لكن السؤال الذي نتجنّب، وهو في صلب المعضلة البارزة حاليًا، هو التالي: ماذا نقول وماذا نفعل بكل هؤلاء العملاء اللبنانيين الذين كانوا، وقسم كبير منهم لا يزال، في خدمة الاحتلال السوري (ومعتقلاته) والاحتلال الإيراني، هذا إذا تناسينا احتلال منظمة التحرير الفلسطينية؟"
ماذا عن موقف "التيار الوطني الحر" الذي أعطى لنفسه صفة المدافع الاول عن المسيحيين في لبنان والمنطقة؟
الجواب هو من موقع التيار الالكتروني الذي أورد نبأ الاغتيال على النحو الاتي: "وجد المواطن انطوان حايك مقتولاً في دكانة عائدة له في منطقة المية ومية (خارج المخيم) بعد أقل من خمسة ايام على اطلاق سراح العميل عامر الفاخوري. وأشارت المعلومات أن حايك متورط بعمليات تعذيب بمعتقل الخيام وكان قد غادر من الجنوب الى بيروت هرباً عام ١٩٩٢ حيث تطوع في قوى الامن وعمل كدراج حتى تقاعده."
أوساط في قوى 14 آذار تساءلت عبر "النهار" كيف للتيار ان يتعامل مع إغتيال الحايك على هذا النحو وهو تعامل مع وفيات وباء الكورونا على نحو مغاير. فوفق ما ورد على بعض وسائل التواصل الاجتماعي خلال الشهر الجاري، سأل النائب في التيار ماريو عون: "95 من يللي منصابين بكورونا شيعة ليش اول واحد توفي مسيحي؟"
كما تساءلت هذه الاوساط: أين التيار من إغتيال الحايك مثلما كان من تورط احد قيادييه فايز كرم بالتعامل مع إسرائيل؟ لا بل ان التيار وبعد اعوام على إطلاق كرم، لم يجد ضيرا في إعادة الاعتبار اليه علانية في نيسان الماضي عندما ظهر جنبا الى جنب مع رئيس التيار الوزير السابق جبران باسيل في إحدى المناسبات في زغرتا. وخلصت الى التذكير بما اوردته الصحف الاسرائيلية عند إعتقال كرم ان الاخير التقى نصر الله في مخبئه مرة واحدة على الاقل منذ عام 2006 ".
العودة الى فتح الدفاتر المغلقة التي تعود الى مرحلة ما بعد رحيل قوات الاحتلال الاسرائيلي عن جنوب لبنان عام 2000، سيقود وفق المراقبين الى إستعادة الطريقة التي إعتمدتها هذه القوات في الرحيل بحيث تركت المتعاونين معها ليلقوا مصيرهم لوحدهم من دون سابق إنذار. كما في هذه الدفاتر الكثير من المعطيات التي جعلت عددا لا بأس فيه من هؤلاء المتعاونين يعودون الى حياة أكثر من طبيعية حاليا في الجنوب المحرر!
ماذا لو كان الحايك منتميا ل"التيار الوطني الحر"، وليس الى "القوات اللبنانية" ؟ هل كان ليلقى المصير نفسه؟ سؤال مطروح اليوم للتأمل في ظل "الوباء" السياسي الذي حلّ ب"حزب الله" بسبب ملابسات إطلاق الفاخوري؟ هل يعني ذلك ،ان الحايك هو أول ضحية تسقط بالرصاص بسبب هذا "الوباء"؟
احمد عياش - النهار