ساحة جريمة اسمها لبنان

ساحة جريمة اسمها لبنان
السبت 2 أغسطس, 2025

"يفترض إنزال العقاب وجود نظام اجتماعي يحدد الجريمة. وغياب العقوبة ليس براءة، بل هو تأسيس للجريمة."

— ألبير كامو، الإنسان المتمرد

 

في 4 آب 2020، عند الساعة 6:07 مساءً، انفجرت بيروت. في جزء من الثانية: عاصمة ممزقة، دخان أبيض، وفطر كيميائي في السماء. مئتان وخمسة وثلاثون قتيلاً، 6500 جريح، ومئات الآلاف من الأرواح المحطمة. لكن ما تحوّل ركاماً لم يكن مدينة فحسب، بل مجتمعٌ تعرض للتشويه، ونظامٌ كُشِفَت عوراته. نظامٌ قائم على الإفلات من العقاب والخوف والصمت.

بعد خمس سنوات: لا إدانات. لا محاكمات. لا مسؤولين عن الجريمة. لا شيء سوى الأنقاض وملفاتٍ أُغلِقَت ودُفِنَت. التحقيق متوقف. العدالة محاصرة. ولبنان كله يبدو كأنه استسلم للعيش مع الإفلات من العقاب على غرار اعتياد رائحة الدم الجاف. والأسوأ من ذلك: أولئك الذين كان يجب أن يمثلوا أمام المحكمة، يحكمون ويصوّتون ويجلسون في اللجان. الجريمة مستمرة.

لكن العائلات لا تنسى. لم يُترَك لها الوقت لتنسى لكي تحتاج إلى أن تتذكر. إنهم يدركون أن الوقت لا يداوي شيئًا ما لم تُقل الحقيقة.

عندما نُحِّي القاضي فادي صوان في شباط 2021 بضغوط سياسية، تولى طارق البيطار التحقيق. تجرأ على فعل ما لم يجرؤ عليه أحد: استدعاء وزراء، جنرالات، ورؤساء أجهزة. طلب رفع الحصانة البرلمانية عن علي حسن خليل، وغازي زعيتر، ونهاد المشنوق. اتهم عباس ابرهيم، رئيس الأمن العام، وطوني صليبا، مدير جهاز أمن الدولة. استهدف الكبار. استهدف بدقة. لم يمس ميشال عون، لكن النظام توتر.

سرعان ما انهالت التهديدات. في أيلول 2021، أرسل حزب الله رسالة واضحة عبر رئيس جهازه الأمني وفيق صفا: "سنذهب إلى النهاية... أو سنخلعك". بعد شهر، سال الدم في الطيونة. نزل أنصار الثنائي أمل وحزب الله إلى الشارع حاملين السلاح. هذه الضغوط لم تترك مجالاً للشك: إذا كان طارق البيطار يزعجهم، فذلك لأنه يمس قلب السلطة. يهدد بنية النظام ذاتها. فقلبَ المتهمون الأدوار. أصبحوا هم الرقيب على القاضي.

بعد ثلاثة عشر شهرًا من التعطيل، حاول البيطار العودة في 23 كانون الثاني 2023. اتهم عباس ابرهيم واستدعى الشخصيات الرئيسية. لكن غسان عويدات، النائب العام التمييزي – المستهدف هو نفسه بالتحقيق – نصّب نفسه درعًا لها. رفض تنفيذ قرارات القاضي، ونحّاه، ومنعه من الوصول إلى الملف، وأطلق جميع المتهمين. وضع كافكائي: الرجل المتهم أصبح هو العائق الأخير أمام العدالة.

السبب أن انفجار 4 آب لم يكن حادثًا. بل نتيجة مباشرة للتحلل المنهجي للمؤسسات اللبنانية. الجميع كانوا يعلمون. والجميع فضلوا الصمت. بدءًا من ميشال عون، الذي اعترف في مقابلة تلفزيونية بأنه أُبلِغَ بوجود نيترات الأمونيوم. لماذا لم يفعل شيئًا؟ لماذا هذا التقاعس، وهو الذي كان يملك كل الصلاحيات الأمنية؟ لماذا لم يستجوبه القضاء إطلاقاً؟

أما الثنائي أمل وحزب الله، فقد أقدما على تخريب التحقيق في كل خطوة: تهديدات، تظاهرات، تعطيل للحكومة. لماذا كل هذا الخوف إن كنتم أبرياء؟ لماذا الإصرار على تغيير القاضي إن لم يكن لديكم ما تخفونه؟ الجيش، المسؤول عن أمن المرفأ، لم يؤمّن الشحنة إطلاقاً، ولا حذّر السكان. هل كان هذا عدم كفاءة؟ أم تواطؤًا؟ السؤال لا يزال بلا إجابة، وبلا تحقيق.

على صعيد الأحزاب السياسية، صمتٌ مطبق. لم يطالب أي حزب بالحقيقة. حتى أولئك الذين يصفون أنفسهم بالسياديّين. لأن الجميع يدرك أن المضي قدمًا في هذه القضية يعني نسف السدّ. يعني فضح نظام الفساد بأكمله. أما النظام القضائي، وباستثناء عدد قليل من القضاة الشجعان، فقد أثبت أنه خاضع، ومجزأ، ومُستَغل. نيابة عامة تحمي الأقوياء. هيئات قضائية مشلولة بسبب تضارب الاختصاصات. قضاة يتم تخويفهم أو مساومتهم. لماذا، على سبيل المثال، لم يأمر المدعي العام غسان عويدات منذ عام 2019 بنقل النيترات إلى مكان آمن، أو بجرد محتويات العنبر؟ العدالة لم تكن حُصنًا. بل كانت ستارًا.

ثم هناك هذا اللغز: وفقًا لمكتب التحقيقات الفيديرالي (FBI)، لم ينفجر سوى 550 طنًا. أين ذهبت الـ2200 طن المتبقية؟ كيف اختفت؟ من استخدمها؟ لأي غايات؟ ألم ير الجيش، المسؤول عن المرفأ، شيئًا؟ هل بقيت الأجهزة الاستخباراتية للأمن العام عمياء؟ كان هذا السؤال يؤرق لُقمان سليم، الذي اغتيل في شباط 2021. قبل ثلاثة أسابيع من مقتله، كان قد ندّد بـ"جريمة حرب" تورطت فيها روسيا وسوريا وحزب الله. منذ ذلك الحين، ساد الصمت. هذا الصمت هو إجابة. إنه جريمة ثانية.

ومع هذا الصمت، لا تزال ثلاثة أسماء تتردد: جوزف سكاف، منير أبو رجيلي، جو بجاني. ثلاث وفيات مشبوهة. ثلاثة تحقيقات دُفِنَت. ثلاث قضايا مرتبطة على الأرجح بالمرفأ. ثلاثة تحذيرات أُرسِلَت إلى مَن يبحثون بعيدًا.

الانهيار شامل: في حزيران 2022، انتُخب وزيران متهمان في التحقيق، علي حسن خليل وغازي زعيتر، في اللجنة البرلمانية للعدل، بأصوات بلغت 90 و86 صوتًا. وفي 23 تموز 2025، صوّت البرلمان، بـ99 صوتًا، على رفع الحصانة عن النائب جورج بوشكيان، في حضور المتهمَين الاثنين، بالرغم من صدور مذكرة توقيف بحقهما عن القاضي بيطار.

ربما يكون لبنان البلد الوحيد في العالم الذي يجلس فيه المشتبه بهم في اللجنة المفترض بها أن تضمن استقلال القضاء. حيث يُطلق قاضٍ متهم جميع المتهمين قبل أن يعطل التحقيق الذي يستهدفه هو نفسه. حيث لم يعد الإفلات من العقاب خللاً: بل هو القاعدة.

حتى آمال الإصلاح تُخنَق شيئًا فشيئًا. وصول الرئيس جوزف عون إلى السلطة وتعيين القاضي نوّاف سلام كانا قد أثارا توقعات بحدوث صحوة. كلاهما التزما بإصلاح القضاء ومتابعة الفساد، وبخاصة داخل الأجهزة الأمنية. لكن هذه الوعود بدأت بالفعل تتلاشى.

أراد القاضي بلال حلاوي إغلاق التحقيق في اغتيال لُقمان سليم عشية الذكرى الرابعة لجريمة إعدامه، فأسقط الملاحقات ضد خمسة من الضباط الثمانية السابقين في الجيش أو الأمن العام المتهمين بالإثراء غير المشروع. من بينهم: جان قهوجي، القائد السابق للجيش، جورج خميس، المدير السابق للمخابرات العسكرية في بيروت، وإدمون فاضل، المدير السابق للمخابرات. بعبارة أخرى، أولئك الذين ازدهرت أحوالهم في سنوات الظلام يُبرّئهم قضاة اليوم.

أما جوزف عون، فقد رفض لمدة طويلة استقبال عائلات الضحايا. ماذا ينتظر ليطالب بإعادة فتح الملاحقات ضد الضباط السابقين؟ لماذا لا يتدخل في وجه القاضي حلّاوي، الذي لم تعد صلاته بالثنائي حزب الله وأمل بحاجة إلى إثبات؟ هل لدى الجيش أشياء يخبئها؟ أم أنه يسعى ببساطة إلى تجنب تأثير الدومينو؟

في 4 آب، سيوزع على الأرجح بعض الميداليات، وينشر مجموعة من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي لتغذية سيرته الذاتية، وربما رسالة باكية موجهة إلى العائلات. ثم سيعود ليجد زوجته، مشغولة بالعمل على جلسات القياس الجديدة الخاصة بها.

إنه رئيس مجلس الوزراء نواف سلام الذي أعلن، على حسابه على X، عن يوم حداد وطني. ستُنكس الأعلام. لا مراسم رسمية. يبدو كل شيء منظمًا لطمس الذاكرة. وهذه ربما الوسيلة الأكثر فاعلية لتدمير شعب.

ومع ذلك، لا يزال هناك رجل يزعجهم. لأنه لا يطلب الإذن. لأنه لم يساوم. لأنه استدعى وزراء، ورؤساء أجهزة، وقريبين من نبيه بري، وميشال عون، وحزب الله. يجسد طارق البيطار ما يخشاه الجميع: قاضٍ قد يفتح الصندوق الأسود للنظام.

منذ ذلك الحين، وهو يعمل في الظل. يستجوب. يوثّق. يتقدم، وحيدًا، بلا دولة خلفه. والجميع يعلم أنه إذا سقط، فإن فكرة العدالة نفسها ستسقط معه.

نحن عند مفترق طرق. إذا دُفِنَ هذا التحقيق، فإن مبدأ العدالة نفسه سيُشطَب. ولن نتمكن أبدًا من إقناع الناس بأن الحقيقة ممكنة. في 4 آب 2025: لا تقرير. لا استنتاجات. لا إدانات. بل أعلام منكَّسة ووعود فحسب. مَسيرة، وبعض الخطابات المكررة عامًا بعد عام. وفي اليوم التالي، يعود الصمت مُهيمِناً. وتعود مشاحنات الدكاكين إلى مكانها.

وتبقى العائلات. الناجون. الصحافيون. القضاة المنعزلون. 4 آب ليس مجرد تاريخ. إنه حكم. حكم على بلد استسلم لمرتكبي الجرائم ضده. على دولة لا تحمي. على عدالة بلا قوة. على شعب يُحاولون إسكاته.

لكن هذا الصمت ليس وطنيًا فحسب. بل هو دولي أيضًا. لأن العدالة إذا كانت تتعثر، فلأن القوى الكبرى تنظر إلى مكان آخر، أو تنظر من دون أن تتكلم. وفي غضون ذلك، يطالب الغرب لبنان بنزع سلاح حزب الله. وتكرر أميركا أن إسرائيل مستعدة لاستئناف الحرب – ضد حزب الله، كما يقولون، ولكن في الواقع ضد لبنان بأكمله – إذا لم تُسلّم جميع الأسلحة إلى الجيش.

حسنًا. لكن إذا كانت هذه القوى الأجنبية صادقة حقًا، وإذا كانت تريد حقًا مصلحة لبنان، فلتَبْدَأ بتقديم الحقيقة. فلتُسَلِّم الأدلة على تورط حزب الله في إدارة شحنة نيترات الأمونيوم. فلتكشف أخيرًا الروابط بين هذه القضية والنظام السوري. فلتنشر علانية صور الأقمار الاصطناعية لمرفأ بيروت قبل الانفجار. لأنه بمجرد معرفة الحقيقة، لن يصبح نزع سلاح حزب الله أكثر شرعية في نظر الشعب اللبناني كله فحسب، بل سيصبح أكثر إمكانية.

لكن يجب أن يكون الغرب يبحث بصدق عن العدالة، وليس عن وهم النظام. ويجب أن يكون يريد حقًا الاستقرار، وليس مجرد إدارة فوضى مفيدة – كما يفعل في غزة، لتسكين الضمائر دون حماية الأحياء أبدًا.

لبنان يستحق أكثر من معاملة استراتيجية. إنه يستحق الحقيقة. إعادة الإعمار. العدالة. لأن لبنان، كما قال يوحنا بولس الثاني، ليس مجرد بلد: إنه رسالة. رسالة تعايش، وتعددية، وحرية ممكنة في عالم ممزق.

لكن هذه الرسالة تزعج. إنها تضايق الديكتاتوريات والثيوقراطيات التي تحوطنا. تزعج الأحزاب الطائفية الفاسدة التي تحكمنا. وتثير غضب القوى التي تفضل لبنانًا مجزأً على لبنان حي.

لذا، يتركونه يتعفن.

ونحن نختنق.

لن يشفى لبنان ما لم تُقل هذه الحقيقة.

وما دامت العدالة تحت حراسة أولئك الذين يجب أن تحاكمهم،

فلن نعيش بعد الآن في بلد.

بل سنعيش في ساحة جريمة.

 

إدمون رباط