حاجتان ضروريتان للبنان: الأولى ، كشف دقيق على المعطيات المالية الجدية المتعلقة بمالية الدولة . أما الأخرى ، فهي إقرار خطة انقاذية عاجلة . وكلاهما معاً لا يستطيع تقديمهما غير صندوق النقد الدولي وكون لبنان عضواً في هذا الصندوق، فمن حقّه طلب المشورة منه (الصندوق) والحصول على تقييم لوضعه المالي ، ومن ثم إقرار خطة انقاذية عاجلة . وللأسف قد تحمي هذه الخطوات الطبقة السياسية الحالية التي كان رحيلها أولوية تتقدم على ما عداها ، لكن ما حل باللبنانيين يستوجب أخلاقياً البحث أولاً في حماية كرامتهم وحقهم بالعيش.
سقوط هذه السلطة بكل مكوناتها هو الضرورة ، لأنه لولاها ما كان لبنان واللبنانيون يعانون من وضع مأساوي هو خلاصة لواقع ميزان المدفوعات والدين، وللبطالة التي ترتفع بسرعات جنونية ، ولمشكلة انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار ، ناهيك عن هشاشة القطاعات الإنتاجية هذا إن وُجدت .
الوضع المأساوي الراهن جعل الأوضاع شديدة التعقيد وعلى كل المستويات . لقد صارت الحاجات المالية مُلِحةً ، وإعادة الهيكلة أكثر من ضرورة قصوى . هكذا وضع يستدعي ، وبلا تردد ، إجراءات انقاذية يقوم بها صندوق النقد الدولي لأنه الأكثر شفافية وخاضع للمساءلة والمحاسبة ، ولأنه أيضاً ما عاد ممكناً الوثوق بسلطة من طراز تلك القائمة بالبلد وعليه.
وأكثر ما يجب على اللبنانيين أن يحذروا منه هو الكلام عن إمكانات داخلية قادرة على اتخاذ إجراءات انقاذية . فمثل هذا الحديث ينطوي على أهداف أبسطها تصديع القطاع المصرفي والقضاء عليه ليتسلمه من يمسك بمفاصل الدولة أمنياً وعسكرياً وسياسياً وذهب إلى خارج الحدود ليصارع العالم ضماناً لطموحات إيران الامبراطورية .
وحتماً لا ثقة على الإطلاق بحكومة كلنا يعرف أنها لا تتمتع بقبول دولي ، ناهيك عن أنها غير قادرة على فعل شيء لأنها تمثل جدياً من يُمسك بعنق الدولة التي بُنيت على الفساد والمحسوبية . وضع كالذي نعيشه يستلزم حكومة كفاءة تتمتع بصدقية ومشروعية شعبية ودولية ما يخولها طلب المساعدة الخارجية، سواء من صندوق النقد الدولي أو من جهات مانحة. ان التوقف المُرعب لتدفّق الرساميل، مع عجز مريع داخلياً وخارجياً يعني بالنتيجة انهياراً اقتصادياً. وليس مبالغةً التأكيد بأنه في ظل غياب الدعم المالي الكبير والسريع، سيتحول لبنان إلى دولة فاشلة نتيجة الانهيار والفوضى.
حتماً ستكون الإجراءات الإصلاحية موجعة وفيها شيءٌ من المرارة على المديين القصير والمتوسط ، لأنه لا بد من خفض مصاريف الدولة ، والخصخصة ، وتقليص الدين وحتى تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار ، وترشيق القطاع العام من تخمة التوظيفات الانتخابية . وعليه إما القبول بذلك أو اتخاذ قرار بالانتحار الجماعي عبر رفض التعاون مع صندوق النقد الدولي .
ما يؤكد عليه الخبراء الاقتصاديون هو الحاجة السريعة إلى توفير تمويلات تتراوح بين 20 و25 مليار دولار . وهذا المبلغ لن يكون عبر صندوق النقد وحده بل سيكون للدول المانحة دور أساسي . والى هذا وذلك ، فعلى اللبنانيين معرفة ان هناك خسائر ستنزل بهم ، وهذا ما جنته أيديهم جراء سكوتهم المتمادي وتقديم "قداسة الزعيم" على المواطنة .
كمال الأسمر – كاتب سياسي