مسودّة خطة الإصلاح التي تناقشها الحكومة انطوت على اجراءات أقل ما يقال فيها وعنها انها كارثية خصوصاً لجهة توزيع الخسائر على العملاء الاقتصاديين.
ما تضمنته الخطة جاء منقوصاً عن اجراءات اساسية تتعلق بمسارب الهدر بدءاً من شركة الكهرباء إلى سائر القطاعات المشوبة بعيب الفساد والمحسوبية والزبائنية.
والأسوأ في الخطة، وهي على شاكلة الحكومة، اغفال الوضع السياسي الذي أدى إلى الأزمتين الاقتصادية والمالية. وكذلك السكوت عن الحملة المنظمة والممنهجة ضد النظام الاقتصادي الحر.
الأصل في ما وصل إليه لبنان كان جراء تراكم العجز في الميزانية العامة، والفراغ الرئاسي الذي طال لسنتين وخمسة أشهر، وإقرار سلسلة الرتب والرواتب لدوافع انتخابية ومحض سياسية وطائفية وفوق قدرة لبنان النقدية. وكل ذلك حصل فقط لتجديد حيوية طبقة سياسية ترهلت بالفساد والمُحاصصة .
ان المسؤولية السياسية والقانونية عن الانهيار النقدي تتحمله أولاً الحكومة التي تطلب من مجلس النواب الاستدانة فيقرها بقانون يُحال إلى المصرف المركزي لتنفيذه عبر اصدار سندات خزينة وتسويقها بالتعاون مع المصارف.
هكذا جاءت مسودة الخطة الحكومية كارثية ولم تكن بداية لعمل جدي. فهي لا تتضمن خطوات سياسية واصلاحية تعيد بناء الثقة الداخلية والخارجية. وكيف لها ان تستعيد الثقة وهي حكومة الخروج على اتفاق الطائف والدستور من خلال العمل تحت هيمنة سلاح حزب الله الذي تسبب بعداوات وحروب مع الشرعتين العربية والدولية؟
أمام خطة كهذه، فان الحكومة هي من بحاجة لانقاذ، ففاقد الشيء لا يعطيه. وحكومة من هذا الطراز، بحاجة إلى الكثير لترتقي الى ما ينبغي ان يتوفر فيها من وعي للاقتصادات المحلية والعالمية على طريق تحقيق تنمية مستدامة.
واللافت في الخطة انها تعتمد على مساعدات خارجية بقيمة 15 مليار دولار إلا أن هناك شكوكاً عميقة تبلغ حد اليقين بعدم إمكانية لبنان في استقطاب مثل هذه المساعدات.
لذا فإن التعاون مع صندوق النقد الدولي صار ضرورياً وحاجة ماسة للبنان. ويجب أن يتجاوز المشورة إلى برنامج إنقاذ شامل ينخرط فيه الصندوق. ومثل هكذا امر من شأنه إعطاء مصداقية لأي اجراءات جدية. كما من شأنه تعزيز القدرة على استقطاب المساعدات المرجوّة من الخارج.
الكلام عن خطة واحدة تطبق على الدول كافة فيه ارهاصات واستخفاف بعقول الناس وينطلق من مواقف سياسية. وخير مثال في هذا السياق، ما حصل مع مصر منذ ثلاث سنوات قبل الاتفاق على برنامج الدعم مع صندوق النقد. والآن أصبحت نسبة النمو الاقتصادي في مصر هي الأعلى في العالم العربي وبلغت (6%). كما ان الاحتياطيات الأجنبية تضاعفت من 15 مليار دولار منذ ثلاث سنوات لتصل إلى 45 مليار دولار اليوم، ونسبة التضخم انخفضت من 33% إلى ما دون العشرة في المئة.
والثابت في ظل كل هذه الوقائع انه لا يمكن ضبط انحدار الوضع الاقتصادي اللبناني من دون المساعدات الخارجية ومن دون صندوق النقد الدولي بشكل خاص نظراً إلى الثغرات التمويلية الكبيرة التي أصبح لبنان يعاني منها اليوم.
وأسوأ ما في الامر ان هذه الحكومة جاءت ولحق بها فيروس كورونا ، فصار على اللبنانيين أن يواجهوا جائحتين.
كمال الأسمر- كاتب سياسي