لم يعد الوقت زمناً للمعجزات ولا للأساطير. وهذا يشمل في ما يشمله أسطورة طائر الفينيق . زمن المعجزة اللبنانية انقضى أيضاً وما عاد من أملٍ في بعثه مجدداً. صار لزاماً على اللبنانيين أن يواجهوا ما سكتوا عنه طويلاً . وأن يحصدوا ما زرعوه. وأن ينالوا ما استثمروا به في زعاماتهم "المقدسة". لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن يتحولوا إلى فوضويين ليتبرّؤا من الماضي القريب. ولا أن يصبحوا فورا "أناركيين" ضد الدولة. لأن أفضل الممكن الذي يجب استغلاله والعمل عليه في ظل مآلات الوضع اللبناني العام هو الضغط تحديداً لخلق إجماع وطني وظيفته تأمين الدخول الآمن لصندوق النقد الدولي لمواجهة الاقتصاد المقاوم الذي يدعونا حزب الله إليه.
لقد حصل ما حصل. اجترار الماضي ما عاد مُفيداً أيضاً. والانقاذ يتطلب عملاً نوعياً وكمياً لا ثقة على الإطلاق بقدرة القوى التي تصدرت البلد من تسعينات القرن الماضي للقيام به. الخطأ والخطيئة سيكونان في استجابة الغوغائيين لاستلحاق معاداة صندوق النقد الدولي بمعاداة الشرعية العربية والدولية. ذلك ان حبل النجاة الوحيد هو في الصندوق الأممي لما فيه من شفافية ومعايير علمية رفيعة وواضحة تُحدد كيفية الإنقاذ وليس فقط كيفية إصلاح ما أفسده ساسة العائلات والعصبيات المذهبية والطائفية.
ما هو مدعاة للتفكير وقد يكون الأفضل، البحث في كيفية توظيف انتفاضة اللبنانيين لدعم طلب خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي، حرصاً على حماية الفقراء والطبقة الوسطى. وإذا لم تتوافر مثل هذه الإرادة وهذا القرار فلا يحلمن أحدٌ بالخلاص مما وصلنا إليه. ولا يظنن أحدٌ أن هناك في العالم من يعني له لبنان أو أرزه. وقليل من التفكر بزمن الحرب اللبنانية مُفيد لتحويل الفرصة إلى إمكانية ، فحينها غط طائر الفينيق بنوم عميق منذ العام 1975 حتى العام 1990. والفرصة الوحيدة الآن الممكنة والمتوفرة شرط وجود إجماع وطني عليها هي في صندوق النقد الدولي .
والحاجة إلى صندوق النقد الدولي تبررها أسباب ثمانية :
ـ أولاً: ما تبقى لدينا من عملة صعبة لا يكفي لسداد الدين وتأمين حاجاتنا الضرورية .
ـ ثانياً: المأساة اللبنانية بلغت حد الاستعصاء على القدرات المحلية، ومن يقول عكس ذلك فليتفضل ويعلن الحل.
ـ ثالثاً: لم يعد اعتماد برنامج شامل ومتكامل بعد الآن مجرد ترف أو احتمال نفكر فيه لنقبله أو نرفضه.
ـ رابعاً: وحده صندوق النقد الدولي من يمتلك الخبرات المناسبة والمطلوبة.
ـ خامساً : تفتقد الحكومة إلى الصدقية الداخلية والخارجية للقيام بالإصلاحات المطلوبة فضلا عن فقدانها للامكانات .
ـ سادساً: حجم العجز التمويلي في لبنان بلغ حداً يفوق الخيال وسيكون مصير الاقتصاد الانهيار النهائي في القريب العاجل .
ـ سابعاً: انخفاض شديد في احتياطيات الصرف الأجنبي وبشكل مطّرد.
ـ ثامناً: الجهات المانحة الأخرى لن تمنح لبنان الأموال اللازمة والمطلوبة بشكل عاجل من دون موافقة صندوق النقد الدولي، ومن دون ضمانته.
كل المطلوب هو الذهاب إلى تفاوض سريع لاقناع الصندوق الدولي بالدخول على خط الأزمة المستعصية من دون الوقوع في فخ "التخويف" الذي تمارسه القوى التي تواطأت متحدة ومنفردة على تبديد أموال اللبنانيين، ومن دون أن تقدم لهم سوى الخطب الرنانة التي أودت بنا إلى مأساتنا الراهنة.
كمال الأسمر - كاتب سياسي