يوماً بعد يوم تزداد تكلفة الغزو الروسي لأوكرانيا على العالم بأسره. فبعد دخول الحرب أسبوعها الثالث يبدو أكثر فأكثر أنّ كلّا من طرفيها الكبيرين، أي روسيا وحلف شمالي الأطلسي، مصممٌ على رفع تكلفة الحرب على الآخر. الغرب أراد منذ اليوم الأوّل للحرب أن تكون تكلفتها عالية جدّا على نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لا أثناء تواصل العمليات القتالية والقصف في أوكرانيا وحسب بل حتّى بعد انتهاء الحرب، خصوصاً في ظلّ المخاوف الغربية من ألّا يقف التوسّع الروسي عند الحدود الأوكرانية!
أيّ أنّ أهداف العقوبات الغربية ضدّ النظام في موسكو، لا تقتصر على دفع بوتين إلى وقف هجومه على أوكرانيا وحسب، بل أيضاً إلى "معاقبته" على هذا الهجوم حتّى بعد انتهائه.
في المقابل فإنّ بوتين يلعب ورقة النفط والغاز الحيوية جدّا بالنسبة لأوروبا التي تستورد نحو 40 في المئة من غازها من روسيا. فما دام الأوروبيين لا يجارون واشنطن في حظر واردات النفط فإنّ الرئيس الروسي يواصل ابتزازهم بإمدادات النفط والغاز وسط ارتفاع يومي لا بل بالساعات في أسعارهما، وأمام أعين المواطنين الأوروبيين المصطفين أمام محطات الوقود.
بالتالي فإنّ بوتين يرفع من جهته تكلفة الحرب على الغرب وبالأخص على دول الإتحاد الأوروبي التي بدأت بوضع سياسات طاقوية جديدة بغية تحقيق استقلالية تدريجية عن النفط والغاز الآتي من روسيا. لكنّ ذلك سيتطلّب وقتاً، بينما لا تزال عائدات النفط الروسي الموّرد إلى أوروبا تموّل النظام البوتيني بمئات ملايين الدولارات يومياً. وهو ما فتح سجالاً سياسياً وأخلاقياً في أوروبا، حيث علت أصوات كثيرة، من بينها الرئيس الفرنسي الإشتراكي السابق فرنسوا هولاند، تقول إنّ المال الأوروبي المدفوع لشراء النفط الروسي يموّل آلة الحرب الروسية التي تقصف المدن الأوكرانية بالمدفعية الثقيلة والصواريخ.
أضف إلى ذلك أنّ أوروبا تواجه حالياً أكبر أزمة لجوء منذ الحرب العالمية الثانية بعدما ناهز عدد اللاجئين الأوكران نحو مليونين ونصف المليون اللاجئ، وهو ما أنذر بانقسامات أوروبية حول كيفية التعاطي مع هذه الأزمة ولاسيما بين فرنسا وبريطانيا قبل أنّ تخفف الأخيرة من إجراءاتها لاستقبال اللاجئين الأوكران.
كذلك فإنّ أوروبا تترقّب مستويات تضخّم قياسية وسط توقعّات بأن ترتفع أسعار السلع الغذائية الأساسية بين 8 و20 بالمئة في ظلّ تعطّل الصادرات الأوكرانية من القمح وسائر السلع الغذائية، كما أنّ الصادرات الروسية باتت تواجه عقبات رئيسية بفعل العقوبات المفروضة على موسكو.
كلّ ذلك ينذر بأسابيع وأشهر شديدة الصعوبة لا على أوروبا وحسب بل أيضاً على العالم بأسره وخصوصاً على الدول الفقيرة مثل لبنان التي تستورد القسم الأكبر من غذائها. وهو ما بات يدفع المنظمات الدولية إلى التحذير من أزمة غذاء عالمية.
لكن ارتدادات الغزو الروسي لأوكرانيا ليست إقتصادية وحسب بل جيوسياسة أيضاً. فمن أوروبا إلى الشرق الأوسط بدأت ملامح المتغيرات الجيوسياسية تظهر تباعاً. فأوروبا الآن تبدو مقسومة قسمين لا سياسياً وعسكرياً وحسب بل قيمياً أيضاً، باعتبار أنّ الصراع بين روسيا والاتحاد الأوروبي يرتدي يوماً بعد يوم طابع الصراع القيمي، بين المنظومة الديموقراطية الليبرالية وبين نموذج النظام البوتيني الذي يدحض تفوّق المنظومة الغربية أخلاقياً وسياسياً. وهو ما يعيدنا بقوّة إلى مناخات الحرب الباردة.
أمّا في الشرق الأوسط فتراجع حظوظ التوصّل الى اتفاق بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الإيراني، يطرح أسئلة كثيرة حول مستقبل الأمن في المنطقة بالنظر إلى احتمالات السلوك الإيراني، خصوصاً أنّ طهران ارتابت من موقف موسكو التي طالبت بضمانات للموافقة على الإتفاق النووي. ولا ننسى أنّ طهران تتشارك الأرض مع موسكو في سوريا.
وليس قليل الدلالة في السياق عينه أن تعاود ميليشيا أنصار الله الحوثية استهداف أراضي المملكة العربية السعودية فجر الخميس، وتحديداً مصفاة تكرير البترول في الرياض، بعد ساعات من اجتماع خليجي – أميركي في الرياض ندّد البيان الصادر عنه الخميس بسياسات إيران العدوانية في المنطقة ودعا إلى تكثيف الجهود المشتركة لصدّها.
أخيراً ووسط هذا المشهد شديد التعقيد والخطورة هل يمكن التعاطي مع ملف الانتخابات النيابية في لبنان كما كان عليه الأمر قبل الغزو الروسي لأوكرانيا؟
الأكيد أنّ السؤال عن حتمية إجراء الإنتخابات في موعدها بات اليوم أكثر جديّة وإلحاحاً!