من مفارقات الزمن العجيب ان يعلن رئيس الجمهورية ميشال عون بنشوة لافتة يوم أمس الخميس "يوما تاريخيا" لأن الحكومة أقرت خطة اقتصادية مالية استثنائية لانقاذ البلد من أزمة تكاد تودي به الى مصاف الدول الفاشلة. ويقلده رئيس الحكومة حسان دياب معلنا ان الخطة "انجاز تاريخي"؟! وقبل ان نناقش في تاريخية مزعومة لا بد من القول اولا ان ما يسمى عن غير حق "العهد" (ومعه شركاءه في السلطة) قد اعترف عمليا بفشله خلال الثلاث سنوات ونصف التي مضت، والتي كبدت الخزينة ما يفوق الخمسين مليار دولار اكثر من نصفهم أضاف دينا الى مدينوية الدولة. وعندما يتكلم عون عن "يوم تاريخي" فهو يريد ان ينسب الى نفسه هذا "الانجاز" المزعوم، وإليه وحده، بعد ان خرج شريكه في التسوية سعد الحريري؛ ويريد ان يؤكد انه هو الحاكم الفعلي ترجمة لمفهوم "العهد" اي حصر السلطة في الشخص الفرد. واذا كان هذه التسمية او الشخصنة للسلطة تجوز قبل "اتفاق الطائف" وفي عز المارونية السياسية عندما كان رئيس الجمهورية أشبه بالحاكم بأمره، مطلق الصلاحيات، وعندما كان الرؤساء من صنف بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب، فهي حتما لا تجوز اليوم، لا دستوريا ولا ميثاقيا ولا من باب الملاءمة السياسية. ولكن الجنرال السابق لا يزال يعيش عقدة الماضي والسنتين اللتين امضاهما عنوة في بعبدا، وهو الآن يعتبر ربما ان الفرصة باتت سانحة ليكون سيد القصر وممسكا بزمام السلطة، متناسيا من أدخله القصر مرة ثانية من بابه الواسع.
ان ما اعلن أمس عن خطة اقتصادية ومالية هي بدون شك خطة طموحة وتحمل عناوين جريئة، سواء لجهة تطبيق الاصلاحات الاقتصادية والهيكلية المطلوبة أم لجهة معالجة الوضع المالي والنقدي ولجهة اعادة تنظيم عمل المصارف. الا انها خطة بالاسم فقط اذ انها لا تتضمن اي خريطة طريق مفصلة لكيفية معالجة هذه المشكلة او تلك، ولا مدة زمنية للتنفيذ. فلا يكفي مثلا ان يقال بضرورة حل مشكلة الكهرباء المزمنة من دون ان يتم توضيح اذا ما سيتم اعتماد بناء معامل جديدة وبأي مواصفات وبأي تكلفة ام الابقاء على بواخر جبران باسيل، او ان يقال بضرورة استعادة الأموال المنهوبة - وهو اليوم شعار جذاب يغري صغار المودعين ومن خسر أمواله لدى المصارف - وما هي الاجراءات التي ستتخذ، وكيف سيتم اعتبار هذا مال منهوب وذاك مال بعرق الجبين! والأدق والأخطر بالمقابل كيف ومن فوض الحكومة التصرف باملاك وعقارات الدولة بهدف رسملتهم لاطفاء الدين واعادة تعويم الخزينة المقدر ب 10 مليار دولار، وغيرها الكثير من الامثلة والاسئلة!
واذا سلمنا جدلا بجدية هذه الخطة، فان ما يثير الاستهجان هو هذا التهليل لها واعتبارها "انجاز تاريخي" او يوم اعلانها "يوم تاريخي"! فماذا فيها من تاريخي؟ وكأن لبنان لم يشهد خطط في تاريخه، بدءا من "عهد" شمعون مرورا ب"عهد" شهاب الذي كان رمزا للخطط الاصلاحية والاقتصادية والمؤسساتية بامتياز لبناء الدولة العصرية. ثم بعد الحرب وبعد "اتفاق الطائف" كم خطة وضعت مع رفيق الحريري رئيسا للحكومة، لاعادة الاعمار واطلاق عجلة الاقتصاد؟ ومن اجل ماذا عقدت مؤتمرات "باريس-1" (1996) و"باريس-2" (2000) و"باريس-3" (2007)، واخيرا مؤتمر "سيدر" في نيسان 2018؟ أليس من اجل وضع خطط وبرامج اصلاحية، ولحظ لها تمويل بمليارات الدولارات، وكانت النتيجة عدم تنفيذ اي من الخطط والاصلاحات وهدر الاموال المرصودة؟ فأين هو التاريخي في خطة اليوم، وهل ان هذه الخطة تتضمن بنودا واجراءات استثنائية لم تتضمنها الخطط السابقة؟
ان التاريخي حقيقة في خطة اليوم هو انها خطة بحت اقتصادية مالية وحسابات وارقام، أهملت أمرا جوهريا ومفصليا لأي خطة، وهي ان من يضعها ويريد ان ينفذها يجب ان يكون صاحب قرار، ويكون سيد نفسه. فهل هذه الحكومة ورئيسها هم أصحاب القرار، وهم أسياد انفسهم؟ وهل لديهم القدرة على فرض ما يريدون؟ ألم يمنع "حزب الله" الحكومة من التعاون مع صندوق النقد الدولي، ثم عادت له الآن في الخطة بعد ان وافق نصرالله على ذلك؟ كل الخطط الماضية التي تم تعدادها سابقا عطلها "حزب الله"... وماذا لو قررت ايران بعد فترة خوض مواجهة الولايات المتحدة؟ وهل ان ساكن قصر بعبدا هو صاحب قراره؟ بهذا المعنى نعم التسليم ل"حزب الله" بالقرار يصبح "انجاز تاريخي"!
سعد كيوان