كلمة فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان

كلمة فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان
الجمعة 1 فبراير, 2019

مقدمة:

       لا شك ان الخيار الأساسي للبنان الدولة والدستور والعيش المشترك هو كما لكل دولة، حسن نية الرجال الذين يطبّقون الدستور والقوانين. أما في شأن الدستور فيقول شارل ديغول أنه "روح ومؤسسات وممارسة"، وبنتيجة الممارسة ينبغي ايجاد الحلول لحسن ادارة الدولة ولتطويرها.

الوقائع:

      هذه المفاهيم أمكنني معاينتها واختبارها خلال تجربتي الرئاسية كأول رئيس للجمهورية في ظل الطائف بعد إنسحاب سلطة الوصاية السورية وبعد سقوط إتفاق القاهرة وتحت مظلة القرار 1701 ومندرجاته  وتواجد قوات الطوارىء الدولية " اليونيفل "على الحدود الجنوبية مدعومة من الجيش اللبناني الذي كان لي شرف اعادته إلى مهمته الاساسية في حماية الحدود الجنوبية عام 2006 بعد غياب أكثر من عقدين من الزمن. ومع الأسف فإن ولايتي استُبقت بتعطيل إنتخاب الرئيس ما أدى إلى حوادث مشؤومة أبرزها 7 أيار 2008، كما أتبعت بتعطيل أكبر لمدة سنتين وستة أشهر بعد نهاية الولاية تُركت فيها البلاد دون رئيس يحفظ دستورها. كما شهدت ولايتي 22 شهراً من تصريف للأعمال، الأمر الذي تكرر مع الرئيس " القوي " وفي مطلع عهده حيث ولدت الحكومة الأولى " البكر" متأخرة سنتين وثلاثة أشهر بعد حمل الامة بها مدة تسعة أشهر. وبالاضافة إلى هذه الإستحقاقات الدستورية تعثر أيضاً الكثير من الإستحقاقات الإقتصادية والإدارية والإصلاحية والقضائية والدبلوماسية بسبب التفسير المزاجي والإنتقائي للدستور والقوانين والديمقراطية بشكل عام، مما دفع بعض ضعفاء الإيمان إلى القول بأن لبنان يجب أن يبقى تحت الإنتداب أو بالحري تحت الوصاية فرنسية كانت او سورية، وحتى الى  نسف الطائف بكامله.

 إزاء ذلك لا بد من الإشارة إلى إيجابيات الطائف بما فيها المرحلة التي تلت الإنسحاب السوري  حتّى الأن.

اولاً: لا غنى عن وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) الذي هو العقد الإجتماعي بين اللبنانيين وقد إنبثق عنه الدستور والمؤسسات وصيغة العيش المشترك. الطائف وضع حداً للحرب الأهلية في لبنان أو بمعنى أوضح وضع حداً لحرب الآخرين على أرض لبنان رغم انه لم يمنع احتراب اللبنانيين بين بعضهم البعض عسكرياً وسياسياً على الساحة  السورية وما عداها من الدول الأخرى عربية كانت أم غير عربية حيث برزت الحاجة إلى التوافق على إعلان بعبدا في حزيران 2012 بغية تحييد لبنان.

ثانياً: نصت مقدمة الدستور في الفقرة "ب" منها على " عروبة لبنان "، وفي حين ان هذه الهوية وهذا الإنتماء كانا موضوع تشكيك وإتهام لشرائح لبنانية معينة، ثبت للجميع ان هذه الشرائح عينها واللبنانيين بشكل عام هم عرب أكثر من باقي العرب. أما الفقرة "أ"من مقدمة الدستور فنصت على ما يلي" ان لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ". أيضاً هذا الأمر كان موضع تشكيك لدى الشرائح المشار اليها اعلاه، كونه قد صُوّر لهم ولبعض (الاقليات) انهم بحاجة لدولة خارجية لحماية بقائهم وحضورهم بالاضافة الى حاجة بعضهم لحلف في منظومة مشرقية، وقد تبين أن الطائف حمى الجميع  وإنّ لا خطر وجودي على أي مجموعة أو شريحة.

 أذكر هذا لأنه عشية الإنسحاب السوري عام 2005 تم التهويل على اللبنانيين أن الجيش سينقسم وسينهش المواطنين لحم بعضهم البعض. وعندما بدأت ملامح الربيع العربي " الدموي " تم تخويف الشعب اللبناني بأن وطنهم سيتفتت إذا إهتز الوضع في سوريا ولكن تبين أن سوريا  إنهارت للأسف وصيغة لبنان بدت أكثر صموداً. كما دأبنا على سماع المبشرين أن الإرهاب سيعشش في الوطن وأنه سيجد بيئة حاضنة له وقد تبين أن البيئة المقصودة كانت هي البيئة القاتلة للارهاب في الضنية والبارد وعرسال وعبرا ومن ثم في كل لبنان في زمن الداوعش على يد القوى الأمنية والمجتمع الأهلي. كما إستعاد الجيش دوره في الجنوب عام 2006 الأمر الذي تعذر عام 2000.

ثالثاً : حلّ الفراغ الدستوري في مركز الرئاسة مدة سنتين ونصف ولم يتزعزع الكيان، بل قدم لبنان منذ إندلاع الربيع الدموي حتى تاريخه مثالاً  للإستقرار الأمني والعيش المشترك حيث انه لم تحصل حادثة واحدة لها صبغة طائفية، كما حصل في بعض بلدان العالم حتى الغربية منها، كما لم تجنح أكثرية مفترضة إلى المطالبة بتخفيض أو إلغاء دور أقلية مزعومة وإلى الإعتراض على حجم مشاركتها في الحكم والإدارة.

الخيارات المطروحة:

أما وأنا اليوم خارج الحكم، أحاول مع مجموعة من المثقّفين والإقتصاديين والسياسيين والإعلاميين والاكاديميين من مختلف الطوائف  والمناطق  ضمن " لقاء الجمهورية " أن نطرح الحلول أو بالأحرى أن نجمع قطع "البازل" التي صنعت خلال الولاية وبعدها ضمن خريطة طريق لإنقاذ لبنان الدولة والدستور والعيش المشترك. لبنان، الذي هو ليس بحاجة فقط إلى إستكمال تطبيق الطائف بل أيضاً إلى تحصينه وفقاً ما يلي:

  • تحييد لبنان وفقاً لما نص عليه إعلان بعبدا وهذا لا يخالف منطق الطائف ويمكن إضافة التحييد في مقدمة الدستور (اصبح اعلان بعبدا وثيقة رسمية لدى الامم المتحدة والجامعة العربية واعتبر كمرجعية " لدى بعض الدول والمنظمات الدولية الأخرى"). وتحت سقف التحييد العمل على اعادة الحرارة الى علاقات لبنان مع العالم الحر على غرار ما حصل في السنوات العشر الماضية التي كللت بانتخاب لبنان عضواً في مجلس الامن لعامي 2010-2011.
  • إقرار إستراتيجية دفاعية لفترة إنتقالية قصيرة ( ريثما يتم تجهيز الجيش) بغية الإستفادة من قدرة المقاومة بناء لطلب الجيش وبقرار من الدولة على ان توضع القدرات في كل مرة بأمرة الجيش.
  • متابعة تنفيذ خلاصات المجموعة الدولية لدعم لبنان (ISG) التي تدعم الاستقرار في لبنان على المستوى السياسي (دعم تطبيق اعلان بعبدا) وعلى المستوى الامني دعم الجيش اللبناني والقوى الامنية لفرض سيادتها على كامل الاراضي اللبنانية وعلى المستوى الاقتصادي ومساعدة الدولة للتمكن من ايواء اللاجئيين والموافقة على انشاء صندوق ائتماني في البنك الدولي لتلقي الهبات من اجل تأهيل البنى التحتية التي تضررت من جراء النزوح السوري.
  • مراجعة الإتفاقات مع سوريا بما يتناسب مع التحييد وتبادل السفراء وتطبيقاً لمضمون البيان المشترك للقمة الثنائية بيني وبين الرئيس الأسد في آب 2008 في دمشق.
  • تشكيل هيئة إلغاء الطائفية السياسية لوضع برنامج زمني لإنشاء مجلس الشيوخ وتصحيح قانون انتخاب المجلس النيابي مع إبقاء المناصفة في هذا الأخير (حيث يمكن الخروج من المناصفة بعد فترة اختبارية طويلة لفعالية مجلس الشيوخ ) على أن يكون  إختيار النواب على قاعدة  غير طائفية (النسبية على مستوى الدوائر الكبرى وإلغاء الصوت التفضيلي أو تعديله وتعديل سن الإنتخاب وسن الترشح والزامية إشراك الجنسين ) وصولاً إلى إلغاء الطائفية السياسية وإلى مداورة بين الرئاسات.
  • إقرار اللامركزية الإدارية ومشروع إستقلالية السلطة القضائية، وتعديل صلاحيات المجلس الدستوري وكيفية تشكيله والسماح بالزواج المدني.
  • وبرغم ان الدستور يتطلب حسن ممارسة فهو أيضاً بحاجة إلى تعديلات من أجل حلّ الإشكالات وعلى قاعدة ذهبية ترتكز على " توزّع المسؤوليات وليس على تنازع الصلاحيات" وأهمها ما يلي:
  • الزامية حضور جلسات إنتخاب الرئيس عملاً بالدستور بما يختلف عن طوعية الحضور في الجلسات التشريعية ( وفق غلاة الديمقراطية ) مع التفهم أيضاً ان تحديد النصاب يفترض ان يكون وضعاً مؤقتاً ناتجاً عن كارثة أو إضطراب أمني أو وباء أو حاجة لإستكمال المناقشات خارج البرلمان. كما يمكن للمجلس الدستوري إذا أعيد له حق تفسير الدستور أن يفسر المادة المتعلقة بإنتخاب الرئيس.
  • وضع حد لتعطيل تشكيل الحكومة عن طريق تحديد مهلة شهرين حداً أقصى لرفع التشكيلة تحت طائلة اعادة الاستشارات للتكليف. أما في حال عدم موافقة رئيس الجمهورية على التشكيلة له أن يعيدها مع تعليلٍ للرئيس المكلف الذي يعطى شهراً إضافياً لرفعها مجدداً مصححة أو كما هي وفي حال عدم موافقة الرئيس مجدداً يحيلها إلى مجلس النواب لطرح الثقة. وفي حال تكرار الفشل بعد التكليف الثاني لنفس الشخص يحل مجلس النواب.
  • اعطاء السلطة التنفيذية الحق بحلّ مجلس النواب بمبادرة من رئيس الجمهورية عند الإقتضاء ولمرة واحدة  إنسجاماً مع مبدأ التوازن في  النظام البرلماني الذي يعطي السلطة التشريعية حق حجب الثقة.
  • وجوب إدراج مشاريع القوانين المعجلة او القوانين المعادة إلى مجلس النواب على جدول أعمال اول جلسة لمجلس النواب.

هـ- تحديد مهل دستورية لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء اسوة أو اقل من المهلة المعقودة لرئيس الجمهورية والتي لا تتعدى 15 يوماً.

و-  تعديل الأكثرية المعتمدة في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء وزيادتها عند إعادة القوانين والقرارات (2/3 في مجلس النواب  بدل الأكثرية المطلقة والأكثرية المطلقة  في مجلس الوزراء بدلاً من الاصرار على القرار).

ز- تحديد الحالات التي تفقد فيها أي سلطة شرعيتها وفقاً للفقرة "ي" من مقدمة الدستور وكيف تكون تدابير إعادة تكوينها.

خاتمــة:

إن أي حكم جديد سوف يواجه العقبات والصعوبات نفسها التي اعترت عمل المؤسسات في خلال السنوات المنصرمة ما لم تتم الإصلاحات التي تبدأ بتحييد لبنان وإنهاء فكرة الدويلات المسلحة ضمن الدولة وصولاً إلى تغيير الطبقة السياسية عبر إلغاء الطائفية السياسية في خلال عشر سنوات أو خمسة عشر سنة وعبر إقرار قانون إنتخاب ينتج رجالاً لديهم حسن نية في تطبيق الدستور.