نجتمع اليوم في المكان الذي منه أطلقنا معاً إنتفاضة الحريةِ والكرامة والعدالة في آذار 2005 ضدَّ وصايةِ النظام الأمني السوري على لبنان.
تلك الوصاية لم تنتقِص من استقلالِ الدولة اللبنانية وسيادتها فحسب، بل نَشطت أيضاً وخصوصاً لتخريبِ عيشنا المشترك الذي نسجناه خيطاً خيطاً وجيلاً بعد جيل، فشكَّلَ فرادَتنا في هذه البُقعةِ من العالم.
عملَ النظامُ السوري، بكل ما أُوتيَ من وسائلَ ونفوذٍ وتحالفاتٍ، لتأبيدِ تفسيحات الحرب، بجزازاتها وثأريّاتها وكوابيسِها ... أي بكلِ ما كان في تلك الحرب من نَزَقٍ وجنون ... وقد عمل ذلك من أجل الوصول بأحرار لبنان وأصدقائِهم في العالم إلى المعادلةِ التالية : إذا أردتُم تَوديعَ الوصاية، فعليكُم إستقبالُ الحربِ الأهلية مجدداً !
الإخوةُ والأصدقاء،
في تشرين الثاني 2004، وعلى أثر محاولة اغتيال مروان حمادة، إلتقينا هنا : 29 نائباً وقادةَ رأي إستقلاليّ للمطالبة برفع الوصاية عن لبنان.
كنّا نعلم أن رفيق الحريري حاضرٌ بيننا من خلال ملائكته. كنّا نعلم أنّه اختار الإستقلال، اختارَ لبنان أولاً. ولكننا لم نكن تنوقَّع أن العنايةَ الإلهية قد اختارت دَمَهُ لإطلاق الإنتفاضة المباركة.
لقد أرادوا بقتله إرهابَ اللبنانيين وإسكاتَهم، فأرادَ اللبنانيون ما أراد الحقُّ والعدلُ والكرامة ... وانتفضوا !
إنتفضوا ليصنعوا بوحدتهم ربيعَ لبنان الذي استحثَّ ربيعَ العرب.
وإذا كنّا نذكر اليوم شهيدَ الإستقلال وقافلةَ الشهداء معه ومن بعده، مثلما نذكُر هذا الشعبَ العظيم الذي صنع استقلاله وأطلعَ ربيعَهُ، فإننا لا يمكن أن ننسى بطريركَ الإستقلال الثاني الذي يغادرُ اليوم عرشَ البطريركية في إنطاكيا وسائر المشرق ليحتلَّ عرشَ القلوب في انطاكيا وسائر المشرق.
أيها الإخوةُ والرفاق،
لقد دار الزمانُ دورةً كاملة خلال السنوات الست الماضية، لتحلَّ وصايةُ السلاح محلَّ الوصاية السابقة.
لقد طغى هذا السلاح وبَغى وتَغوَّلَ، مستفيداً من تسامُح اللبنانيين وحرصهم على بلدهم، ليُعيدَ إليهم المعادلة إياها : إذا أردتُم توديعَ السلاح فعليكم استقبالُ الحرب الأهلية مجدداً.
جوابُنا أصبح معروفاً ونهائياً : سنواجِهُ هذا السلاح بما واجهنا الوصاية السابقة وأجبرناها على التراجع.
عُدَّتُنا هذه المرة أقوى بكثير مما كانت قبل 2005 : لدينا كتلةٌ نيابية منحتها أكثريةُ الشعب اللبناني الثقةَ مرتين. ولدينا قوى حزبية أيقنت أنه لا مكانَ كريماً لها خارجَ سربِ السيادة. ولدينا رأيٌ عامٌ ومجتمع مدني أثبت جدارته في أصعب الظروف. ولدينا حُلمُنا اللبناني الذي أخذ يعانق حُلمَ الناس في كل المنطقة.
الإخوةُ والرفاق،
هذا المؤتمر هو الرابع لقوى 14 آذار. وهو يضمُّ إلى قادة الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية والسادة النواب والوزراء، قادةَ رأيٍ وصحافيين وناشطين كانوا ولا يزالون صُنّاع البيئة الحاضنة لإنتفاضة الإستقلال. هؤلاء هم قلب 14 آذار و روح 14 آذار.
أمامكم وثيقةٌ سياسية للمناقشة والإقرار.
وأمامنا جميعاً تظاهرةٌ الأحد المقبل التي ستُسمِع العالم صوتَ اللبنانيين الأحرار وقرارَهم.