ندوة "روسيا ونحن" - كلمة الافتتاح للدكتور شارل رزق

ندوة "روسيا ونحن" - كلمة الافتتاح للدكتور شارل رزق
الثلاثاء 11 يونيو, 2019

كلمة الافتتاح في ندوة السفير الروسي الكسندر زاسيبكين والاستاذ سمير عطالله

الدكتور شارل رزق

رئيس مؤسسة فؤاد شهاب

فندق فينيسيا 11 حزيران 2019

 

 

‏ايها الأصدقاء

‏أرحب بكم  في مؤسسة فؤاد شهاب ‏وأرحب ‏بصديق كريم ‏الاستاذ Alexandre Zasybkin سفير ‏دولة  روسيا الاتحادية التي  ‏ينتظر منها اللبنانيون الكثير في هذه الظروف الاستثنائية ‏التي تمر بها منطقتنا.

‏اما الاستاذ سمير عطالله ‏فهو يعلم أنه في مؤسسة فؤاد شهاب كما لو أنه في بيته فهو بالتالي الذي يرحب بينا ولسنا نحن نرحب به. ‏كما يعلم بأي شغف ننتظر مع جميع اللبنانيين ‏افتتاحيته  الأسبوعية ‏ ‏التي هي كالواحة الخضراء  تنسينا الصحراء السياسية القاحلة المحيطة بنا ‏في هذه الأيام.

‏يا سعادة السفير ، ينتظر ‏اللبنانيون من روسيا   أن تساهم في إعادة التوازن بين الأطراف ‏الإقليمية  المتنازعة ‏وان تحدّ ‏من نزعة بعض هذه الأطراف  الى التفرّد بالنفوذ،  ‏على الصعيدين اللبناني والإقليمي . ‏فروسيا هي خبيرة بشؤون الشرق الاوسط منذ زمن يعود إلى ما قبل النظام الروسي الحالي ‏والى  ما قبل ‏المرحلة السوفيتية بكثير .

لن اتدخّل  طبعا ‏في هذه المقدمة السريعة  بالمواضيع التي سوف يتناولها المحاضران الكريمان ، بل اكتفي بأن اوجز  بعض   المراحل  ‏الكبرى التي مرت بها     ‏العلاقة بين روسيا ومنطقتنا  وهي علاقة  ‏تراوحت بين الحضور القوي والتراجع احيانا.

غابت عنا روسيا بعد الثورة السوفيتية وطوال عهد ستالين ‏لتمسّك هذا الأخير بشعار" بناء الاشتراكية داخل روسيا"  ‏فحصر  ‏اهتمامه بتحقيق هذا الشعار ‏وبصدِّ  الضغوط  الخارجية  التي كانت تحاصر   بلاده.

‏بعد رحيل  ستالين مدّت  القيادة السوفيتية   يدها إلى ما سُمّي  آنذاك العالم الثالث ‏ومنه  العالم العربي ولا سيما الى ‏سوريا  والى مصر   ‏فساهمت ببناء  سد اصوان ‏ ‏وقدّمت  السلاح للجيوش العربية .

‏منح السادات ‏الأولوية للعلاقة مع الولايات المتحدة ‏ ‏ولم يُخفِ ‏اعجابه الكبير بالوزير الأمريكي كيسنجر  ‏الذي كان قد أعلن صراحة  ان  هدفه هو  إخراج  "eject " الاتحاد السوفييتي من الشرق الاوسط  ‏.وقد تفاقم الافول  الروسي ‏في فترة الانتقال من النظام السوفييتي إلى النظام الجديد ‏أواخر الثمانينات من القرن العشرين. ‏لكن سرعان ما استعادت  روسيا  ‏استقرارها الداخلي في عهد الرئيس بوتين  ‏ويمكن القول أن نفوذها في الشرق الاوسط بلغ اليوم أوجه  لا سيما بعد الاجتياح الأمريكي  الكارثي للعراق وبعد ‏الحرب السورية.

أيها الأصدقاء

تسعى مؤسسة فؤاد شهاب لأن تكون بادائها وعملها جديرة بالاسم  الكبير الذي تحمله ‏وان تلبّي الآمال التي يعقدها اللبنانيون عليها  لاعادة تأهيل المبادئ التي قامت عليها رئاسة فؤاد شهاب  ‏ولتأكيد صلاحية ‏هذه المباديء  اليوم.

‏ينتظر ‏اللبنانيون من هذه  المؤسسة  أن تكون ، بالتعاون ‏والتفاعل  مع صفوة المجتمع ‏اللبناني الذي  تمثلون ،  ‏مختبرا فكريا ‏يتم فيه تأوين réactualisation  ‏ النهج الشهابي  ‏وقد أثبتت التجربة  انه ‏النهج  الوحيد ‏الذي جعل لبنان دولة عصرية  فرضت احترامها على سائر الدول القريبة والبعيدة ‏وان لبنان لم يقع في ما  يتخبّط فيه اليوم الا لابتعاده عن النموذج الشهابي.

وضع ‏ الرئيس شهاب على راس المبادئ التي ‏ ‏قامت عليها   ‏رئاسته الحياد الدبلوماسي ‏وذلك لمعرفته أن تركيبة المجتمع اللبناني التعددية  تملي  عليه  عدم التورّط بارتباطات ‏إقليمية أو دولية ‏قد ترضي  بعض جماعاته ، لكنها تنفّر جماعات أخرى ‏ ‏ ‏فتولّد ازمات سرعان ما تتفاقم  كما حصل في ١٩٥٨ وبعدها  ١٩٧٥  .

‏إستخلص الرئيس شهاب عبرة حربنا الأهلية الأولى ‏فسارع فور تولّيه الرئاسة الى نبذ ‏دبلوماسية المحاور  والأحلاف ‏التي تتنافى  ‏مع طبيعة الشعب اللبناني واكّد انتماءنا العربي ووقوفنا على مسافة واحدة ‏من الأطراف الإقليمية وتقيّدنا ‏باحكام  ميثاق الجامعة  العربية دون سواها.  وتجلّى  ذلك في اللقاء التاريخي بينه وبين الرئيس عبد الناصر على تمام   خط الحدود بين لبنان و القطر السوري من الجمهورية العربية المتحدة في منطقة المصنع حيث أعلن الرئيس عبد الناصر ‏الزعيم العربي الاول آنذاك قدسية الحدود اللبنانية وكرر الرئيس  شهاب تمسّكه بعروبة لبنان وباستقلاله وفق ميثاق جامعة الدول العربية.

‏إكتسب ‏الرئيس  شهاب في لقاء الحدود ‏ مصداقية سياسية كبيرة  محليا وإقليميا ودوليا ‏ ومكّنته هذه المصداقية من إجراء الاصلاحات الداخلية وأنشاء المؤسسات التي لا تزال الدولة اللبنانية قائمة عليها  اليوم.

وكما اسّس الرئيس شهاب نهجه على انجاز  ‏دبلوماسي ‏إعاد لبنان إلى موقعه  الطبيعي في منطقته،  كذلك تبدأ مؤسستنا برنامج  ندواتها   ٢٠١٩-٢٠٢٠  بحوارات  ‏ذات طابع دبلوماسي  ‏تتناول موقع لبنان اليوم في محيطه ‏الإقليمي والدولي.  ‏ورأينا  أن خير ‏من نحاورهم في هذا المجال  هم سفراء كبرى الدول والمنظمات  المعنية بالشأن اللبناني والإقليمي.  وشاءت مقتضيات الروزنامة  أن يكون سفير روسيا  أول  السفراء المحاضرين.

‏ ‏نكرر شكرنا  ‏لسعادة السفير  زاسبيكين  ‏وللاستاذ سمير عطا الله ‏مشاركتهما ‏في هذه الندوة التي ‏تليها سلسلة من الندوات اللاحقة  نعلن عنها   تباعا . ‏ والندوة القادمة ‏ستجري في الخامس من تموز  هنا في فينيسيا  ‏حول الموضوع التالي: " ‏الاتحاد الأوروبي ونحن" . ‏وستجمعنا ‏بسفيرة  الاتحاد الأوروبي السيدة  لارسن ‏ ‏والسفيرين  الفرنسي والألماني  Bruno Fouché و Georg Birgelen ‏وبالوزير السابق طارق متري. ‏وسوف تاتيكم بطاقات الدعوة قريبا.

‏أخيرا أوجّه ‏باسم مؤسسة فؤاد شهاب وباسمكم جميعا ‏شكرا خاصا لزميلنا في المؤسسة ‏الأستاذ مازن صالحة  ‏رئيس مجلس إدارة الفنيسيا ‏الذي قدم لنا هذه القاعة ‏الفخمة والتسهيلات التابعة لها دون مقابل.