مقدمة:
لا شك ان الخيار الأساسي للبنان الدولة والدستور والعيش المشترك هو كما لكل دولة، حسن نية الرجال الذين يطبّقون الدستور والقوانين. أما في شأن الدستور فيقول شارل ديغول أنه "روح ومؤسسات وممارسة"، وبنتيجة الممارسة ينبغي ايجاد الحلول لحسن ادارة الدولة ولتطويرها.
الوقائع:
هذه المفاهيم أمكنني معاينتها واختبارها خلال تجربتي الرئاسية كأول رئيس للجمهورية في ظل الطائف بعد إنسحاب سلطة الوصاية السورية وبعد سقوط إتفاق القاهرة وتحت مظلة القرار 1701 ومندرجاته وتواجد قوات الطوارىء الدولية " اليونيفل "على الحدود الجنوبية مدعومة من الجيش اللبناني الذي كان لي شرف اعادته إلى مهمته الاساسية في حماية الحدود الجنوبية عام 2006 بعد غياب أكثر من عقدين من الزمن. ومع الأسف فإن ولايتي استُبقت بتعطيل إنتخاب الرئيس ما أدى إلى حوادث مشؤومة أبرزها 7 أيار 2008، كما أتبعت بتعطيل أكبر لمدة سنتين وستة أشهر بعد نهاية الولاية تُركت فيها البلاد دون رئيس يحفظ دستورها. كما شهدت ولايتي 22 شهراً من تصريف للأعمال، الأمر الذي تكرر مع الرئيس " القوي " وفي مطلع عهده حيث ولدت الحكومة الأولى " البكر" متأخرة سنتين وثلاثة أشهر بعد حمل الامة بها مدة تسعة أشهر. وبالاضافة إلى هذه الإستحقاقات الدستورية تعثر أيضاً الكثير من الإستحقاقات الإقتصادية والإدارية والإصلاحية والقضائية والدبلوماسية بسبب التفسير المزاجي والإنتقائي للدستور والقوانين والديمقراطية بشكل عام، مما دفع بعض ضعفاء الإيمان إلى القول بأن لبنان يجب أن يبقى تحت الإنتداب أو بالحري تحت الوصاية فرنسية كانت او سورية، وحتى الى نسف الطائف بكامله.
إزاء ذلك لا بد من الإشارة إلى إيجابيات الطائف بما فيها المرحلة التي تلت الإنسحاب السوري حتّى الأن.
اولاً: لا غنى عن وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) الذي هو العقد الإجتماعي بين اللبنانيين وقد إنبثق عنه الدستور والمؤسسات وصيغة العيش المشترك. الطائف وضع حداً للحرب الأهلية في لبنان أو بمعنى أوضح وضع حداً لحرب الآخرين على أرض لبنان رغم انه لم يمنع احتراب اللبنانيين بين بعضهم البعض عسكرياً وسياسياً على الساحة السورية وما عداها من الدول الأخرى عربية كانت أم غير عربية حيث برزت الحاجة إلى التوافق على إعلان بعبدا في حزيران 2012 بغية تحييد لبنان.
ثانياً: نصت مقدمة الدستور في الفقرة "ب" منها على " عروبة لبنان "، وفي حين ان هذه الهوية وهذا الإنتماء كانا موضوع تشكيك وإتهام لشرائح لبنانية معينة، ثبت للجميع ان هذه الشرائح عينها واللبنانيين بشكل عام هم عرب أكثر من باقي العرب. أما الفقرة "أ"من مقدمة الدستور فنصت على ما يلي" ان لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه ". أيضاً هذا الأمر كان موضع تشكيك لدى الشرائح المشار اليها اعلاه، كونه قد صُوّر لهم ولبعض (الاقليات) انهم بحاجة لدولة خارجية لحماية بقائهم وحضورهم بالاضافة الى حاجة بعضهم لحلف في منظومة مشرقية، وقد تبين أن الطائف حمى الجميع وإنّ لا خطر وجودي على أي مجموعة أو شريحة.
أذكر هذا لأنه عشية الإنسحاب السوري عام 2005 تم التهويل على اللبنانيين أن الجيش سينقسم وسينهش المواطنين لحم بعضهم البعض. وعندما بدأت ملامح الربيع العربي " الدموي " تم تخويف الشعب اللبناني بأن وطنهم سيتفتت إذا إهتز الوضع في سوريا ولكن تبين أن سوريا إنهارت للأسف وصيغة لبنان بدت أكثر صموداً. كما دأبنا على سماع المبشرين أن الإرهاب سيعشش في الوطن وأنه سيجد بيئة حاضنة له وقد تبين أن البيئة المقصودة كانت هي البيئة القاتلة للارهاب في الضنية والبارد وعرسال وعبرا ومن ثم في كل لبنان في زمن الداوعش على يد القوى الأمنية والمجتمع الأهلي. كما إستعاد الجيش دوره في الجنوب عام 2006 الأمر الذي تعذر عام 2000.
ثالثاً : حلّ الفراغ الدستوري في مركز الرئاسة مدة سنتين ونصف ولم يتزعزع الكيان، بل قدم لبنان منذ إندلاع الربيع الدموي حتى تاريخه مثالاً للإستقرار الأمني والعيش المشترك حيث انه لم تحصل حادثة واحدة لها صبغة طائفية، كما حصل في بعض بلدان العالم حتى الغربية منها، كما لم تجنح أكثرية مفترضة إلى المطالبة بتخفيض أو إلغاء دور أقلية مزعومة وإلى الإعتراض على حجم مشاركتها في الحكم والإدارة.
الخيارات المطروحة:
أما وأنا اليوم خارج الحكم، أحاول مع مجموعة من المثقّفين والإقتصاديين والسياسيين والإعلاميين والاكاديميين من مختلف الطوائف والمناطق ضمن " لقاء الجمهورية " أن نطرح الحلول أو بالأحرى أن نجمع قطع "البازل" التي صنعت خلال الولاية وبعدها ضمن خريطة طريق لإنقاذ لبنان الدولة والدستور والعيش المشترك. لبنان، الذي هو ليس بحاجة فقط إلى إستكمال تطبيق الطائف بل أيضاً إلى تحصينه وفقاً ما يلي:
هـ- تحديد مهل دستورية لرئيس مجلس الوزراء وللوزراء اسوة أو اقل من المهلة المعقودة لرئيس الجمهورية والتي لا تتعدى 15 يوماً.
و- تعديل الأكثرية المعتمدة في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء وزيادتها عند إعادة القوانين والقرارات (2/3 في مجلس النواب بدل الأكثرية المطلقة والأكثرية المطلقة في مجلس الوزراء بدلاً من الاصرار على القرار).
ز- تحديد الحالات التي تفقد فيها أي سلطة شرعيتها وفقاً للفقرة "ي" من مقدمة الدستور وكيف تكون تدابير إعادة تكوينها.
خاتمــة:
إن أي حكم جديد سوف يواجه العقبات والصعوبات نفسها التي اعترت عمل المؤسسات في خلال السنوات المنصرمة ما لم تتم الإصلاحات التي تبدأ بتحييد لبنان وإنهاء فكرة الدويلات المسلحة ضمن الدولة وصولاً إلى تغيير الطبقة السياسية عبر إلغاء الطائفية السياسية في خلال عشر سنوات أو خمسة عشر سنة وعبر إقرار قانون إنتخاب ينتج رجالاً لديهم حسن نية في تطبيق الدستور.