عقدت قوى 14 آذار أمس اجتماعا موسعا في قريطم، تداولت خلاله الاوضاع في ضوء اقرار مجلس الامن الدولي القرار 1757 القاضي بانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي. واصدرت في نهايته بيانا تلاه الرئيس امين الجميل. وجاء فيه:
"أيها اللبنانيون،
بعد 836 يوماً على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما، أبصرت المحكمة الدولية النور. وبعد شلال من التضحيات والشهداء والجرحى، سياسيين وقادة رأي، اعلاميين ونوابا ووزراء، مواطنين مدنيين وعسكريين، أبصرت المحكمة الدولية النور.
وبعد استشهاد سمير قصير، وجورج حاوي، وجبران تويني، وبيار الجميل، ومعهم وعلى الدرب نفسها، الشهداء: غازي أبو كروم، ويحيى العرب، وطلال ناصر، ومحمد درويش، وزياد طراف، وعمر المصري، ومازن الذهبي، ومحمد غلاييني، ورواد حيدر، ويماما ضامن، وألاء عصفور، وزاهي ابو رجيلي، وجوزف عون، وريما بزي، وصبحي الخضر، وعبدو ابو فرح، ومحمود خلف، ومحمود المحمد، وفرحان عيسى، وهيثم عثمان، وخالد نورا، وهايك هوفنانيان، وعبد الحميد غلاييني، واندره مراد، ونقولا فلوطي، وسمير الشرتوني، وميشال العطار، ولوريس الجميل، ومحمود المحمود، وليلى مقبل، وشهداء الجيش وقوى الأمن الداخلي: روي ابو غزاله، وايلي معلوف، ورياض عبدالله، ومحمود باكيش، وعبدالله جرمش، وحاتم الحاتم، وباسم أحمد، وخالد ثليجي، ومازن الأعور، وعبد السلام صالح، وروي البستاني، ونزيه نادر، وشوقي محمود، ومحمد حسين، وشادي رستم، ومهدي المذبوح، ومحمد رمضان، ومحمد علي، وأحمد المصري، وأحمد الشيخا، وجهاد الشمطيه، وعشير البري، وبلال الحاج أحمد، وأحمد الحمد، ومحمد خضر، وفيراس صوفان، وماهر الحلاق، ويحيى المسلماني، ومؤمن الحصني، وسعد قاسم، وفاروق مخللاتي، وزياد حبلص، ومحمد نظام، ويوسف محمد، وناصر ناصر، وعمر الحاج شحاده، ونمر معروف ياسين، وشهاب عون ووسام حرب كما كل الشهداء الذين سقطوا بفعل العدوان الاسرائيلي في حرب تموز،
وبعد نجاة الشهداء الأحياء مروان حماده والياس المر ومي شدياق،
وبعد صمود حكومة لبنان الشرعية ورئيسها فؤاد السنيورة في وجه كل محاولات التهويل والانقلاب على الشرعية الدستورية والشعبية،
وبعد كل ذلك، أبصرت المحكمة الدولية النور.
واحقاقاً للحق وليس انتقاما من أحد، انتصاراً للعدالة ولكل الشعب اللبناني وليس اقتصاصاً أو تصفية حساب، ومكسباً لكل اللبنانيين وليس انجازاً لفريق على حساب آخر، أبصرت المحكمة الدولية النور لتكون الحجر الأساس في حماية لبنان وردع المجرمين عن التمادي في "تكسير" لبنان واغتيال قياداته:
• فهي تعيد الاعتبار الى مبدأ العدالة بعد عقود من الاغتيال دون عقاب.
• وهي تساهم في قيام دولة القانون وتعزز مؤسساته الدستورية والقضائية وتعيد الأمل للبنانيين والعرب بالشرعية الدولية.
• وهي ترفع شبح القتل الذي هيمن على الحياة السياسية منذ بدء زمن الوصاية السورية وحتى اليوم.
أيها اللبنانيون،
ندعوكم الى العمل معاً لتجديد التسوية التاريخية التي هي الأساس الذي يبنى عليه. عام 1943، لم يأت الاستقلال نتيجة مساومة بين الأطراف المتقابلين، بل جاء نتيجة تسوية تاريخية تجاوزت التقابل الحاد الذي كان قائماً آنذاك. وجاء اتفاق الطائف عام 1989 ليجدد مضمونها، فكان إقرار متبادل بالاصلاح السياسي والمشاركة المتوازنة والهوية العربية من جهة، والسيادة ونهائية الكيان من جهة أخرى، ورفض جامع للتقسيم والتوطين، واليوم، ترى قوى 14 أذار أن الخروج من أزمتنا الوطنية يحتاج الى إحياء التسوية التاريخية في ما بيننا.
فالانقسام الذي برز في لحظة الاستقلال الثاني عام 2005 أدى الى فرز واصطفاف خطيرين بين من كان، باسم حق اللبنانيين في تقرير مصيرهم، يطالب بانهاء الوصاية وخروج الجيش السوري، وبين من كان، بداعي مقاومة الاحتلال، يرى في الوجود السوري عاملاً مساعداً في مواجهة اسرائيل. وخطورة هذا الانقسام تكمن في أنه تخطى إطار الخلاف بين القوى السياسية ليتحول أزمة بين المكونات الاساسية للمجتمع، بحيث يبدو، بطريقة مجافية للحقيقة، كأن هناك في لبنان طوائف "تحريرية"، وأخرى غير "تحريرية"، و طوائف "سيادية"، وأخرى غير "سيادية". ويحمل هذا التقابل في طياته انكاراً لحقيقة ما انجز من تحرير واستقلال، ولا تبنى الأوطان على انصاف الحقائق. كذلك لا تبنى على تعظيم الذات وتخوين الآخر.
هذا الانقسام يشكل خطراً على لبنان، وتجاوزه يتطلب الإقرار بثلاث ضرورات:
1. إقرار ضرورة توحيد انجازين أساسيين في تاريخ لبنان الحديث، انجاز التحرير وانجاز الاستقلال، بدلاً من وضعهما، كما هو الحال اليوم، في مواجهة بعضهما البعض، مما يؤدي الى إضعافهما وتفريغهما من مضمونهما، في حين أن التحرير أثبت للعالم العربي أن في الإمكان استعادة الحق الوطني وتحرير الأرض من دون مساومات وتنازلات، والاستقلال أكد للعالم أجمع أن في الامكان إحداث تغيير سلمي وديموقراطي بعيداً من كل أشكال العنف.
2. وإقرار استحالة بناء الدولة على منطق الثنائيات أو الثلاثيات الطائفية التي دفع لبنان ثمنها غالياً في مراحل سابقة. كما أنه لا يمكن بناء لبنان بتهميش أو استبعاد بعض مكوناته الطائفية، كذلك لا يمكن بناؤه على صورة احدى طوائفه وبشروطها، وعلى حساب ميزاته الحضارية القائمة على الوحدة في التنوع.
3. وإقرار استحالة بناء الدولة على قاعدة تغليب الروابط والمصالح الاقليمية والخارجية على الشراكة الداخلية والعقد الوطني اللذين يجسدهما الدستور.
ويشكل توحيد هاتين المحطتين مدخلاً الى إنهاء التصادم القائم وتوحيد رؤية الجماعات بعضها الى بعض والى لبنان، فتتحول انجازات كل منها مساهمة ايجابية في المشروع العام، ألا وهو مشروع الخلاص الوطني.
أيها اللبنانيون،
إن مثل هذه "المصالحة" مع التاريخ تفتح الطريق أمام مصالحة أخرى، مصالحة اللبنانيين مع حاضرهم ومستقبلهم. ويحتاج هذا الأمر الى خطوات جذرية لتغيير "الزمن" اللبناني:
أولاً: تغيير الزمن الذي بدأ أواخر الستينات عندما تحّول لبنان ساحة قتال لحساب الآخرين. ويتطلب التغيير في هذا المجال:
إخراج لبنان من دائرة التجاذب الإقليمي والدولي. ويقتضي الأمر قراراً واضحاً برفض كل أشكال الوصاية والهيمنة على لبنان، وما ينتج منهما من فقدان للشخصية الوطنية واستخدام للبنان كساحة للصراعات الدولية والأقليمية.
استكمال بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وفقاً لاتفاق الطائف والقرار1701 وسائر القرارات الدولية وتنفيذ ما أجمع عليه اللبنانيون في ورقة البنود السبعة، ولاسيما اطلاق الاسرى اللبنانيين في سجون العدو الاسرائيلي، ووضع مزارع شبعا تحت سلطة الأمم المتحدة حتى انجاز ترسيم الحدود وإعادة العمل باتفاق الهدنة.
تأمين مساهمة فاعلة للبنان في "نظام المصلحة العربية" الذي رسم معالمه "اعلان الرياض" الصادر عن القمة العربية الأخيرة، والذي وضع استراتيجية مشتركة مؤسسة على مبادرة السلام العربية تشكل حماية للأمن القومي العربي والأمن الوطني لكل دولة عربية وضمانا فعليا لحق العودة ورفض التوطين، وتستعيد الحق العربي من العدو الإسرائيلي في كل الاراضي العربية المحتلة .
-
ثانياً: تغيير الزمن الذي بدأ مع الحرب اللبنانية، عندما تحّولت الطوائف مؤسسات مسلحة بذريعة الدفاع عن الوجود والحقوق. ويتطلب التغيير في هذا المجال الاقرار بأن حماية الجماعات اللبنانية وضمان حضورها الحر لا يتأتيان من امتلاك طائفة للسلاح، بل من دولة لها وحدها الحق الحصري في امتلاك القوة المسلحة.
ثالثاً: تغيير الزمن الذي أسست له الحرب اللبنانية والذي شهد احلال منطق القوة مكان منطق الحق. ويتطلب التغيير في هذا المجال إعادة الاعتبار لمنطق الحق، والاقرار بأن الدستور اللبناني إنما وضع كي يتم التّقيد بنصه وروحه، وليس للنظر فيه واختيار ما هو مناسب من بنوده ورفض ما يعتبر غير مناسب.
رابعاً: تغيير الزمن في العلاقة بين لبنان وسوريا التي شهدت ما شهدته من توترات دائمة ومحاولات مستمرة لإلغاء الشخصية اللبنانية. ويتطلب التغيير في هذا المجال:
اقراراً سورياً بنهائية الكيان اللبناني واستقلاله. وهو ما تطالب به القوى الاستقلالية في لبنان، وما يؤكده أحرار سوريا من مثقفين وسياسيين ومعارضين، خصوصا موقّعي إعلان بيروت – دمشق الذين يتعرضون لانتهاك متماد لحرياتهم وحياتهم بالسجن والابعاد والاضطهاد
وتطبيق ما أجمع عليه اللبنانيون على طاولة الحوار لجهة تنفيذ ما نصّ عليه اتفاق الطائف وإقامة علاقات ديبلوماسية وترسيم الحدود بين البلدين، وإطلاق المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية.
-
خامساً: تغيير الزمن الذي أسست له المواجهة بين محطتي التحرير والاستقلال، والتي أدت الى افتعال الفتنة بين المذاهب الاسلامية. ويتطلب التغيير في هذا المجال التزام لبنان كنموذج لنبذ الفتن الطائفية والمذهبية، ليكون ملهماً لمشاريع الوفاق والتسويات في العالم العربي والاسلامي، بدلاً من دفعه الى أن يكون مصدّراً للفتن على أنواعها.
أيها اللبنانيون،
فيما يواصل جيشنا الباسل، بمساندة القوى الأمنية، التصدي للعصابة الارهابية المدعوة زوراً "فتح الاسلام"، والتي تتحرك ضمن مخططات النظام السوري، نؤكد دعمنا الكامل له في دوره الرائد دفاعاً عن سيادة لبنان ومؤسساته الشرعية. إن قوى 14 أذار تمدّ يدها الى الجميع من دون استثناء، وتتوجه بالدعوة الى كل القوى اللبنانية للحوار والتوافق حول هذه الثوابت الوطنية الكفيلة اخراج لبنان من محنته، وتأمين المناخات الملائمة لاجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، والتي يجب أن يكون المعيار الاستقلالي أساسياً فيها، تليها حكومة وحدة وطنية تنهض بكل مستلزمات الشراكة الوطنية من خلال مجلس النواب وما يمثله من شرعية دستورية وشعبية ووطنية".