الأحد 31 يناير, 2010
نداء قوى الرابع عشر من آذار
في الذكرى الخامسة لإستشهاد الرئيس رفيق الحريري
فتدق البريستول 31-كانون الثاني 2010
أيها اللبنانيون!
يا شعبَ الحرية والسيادة والإستقلال ورسالةِ العيش المشترك.
هي الذكرى محفورةً في عقلنا والوجدان:
- بعد 6 ساعات على استشهاد الرئيس رفيق الحريري ظُهرَ الإثنين 14 شباط 2005، «تنادت قياداتُ المعارضة الإستقلالية اللبنانية إلى إجتماع إستثنائي عُقد في دارة الشهيد الكبير» وأصدرت بياناً قالت فيه: «إنّ هذا التفجير الإجرامي قد بلغ مستوىً لم يَرقَ إليه أيُّ اعتداء آخر منذ انتهاء الحرب في لبنان، سواءٌ من حيث ما يرمز إليه الرئيس رفيق الحريري، باعتباره شخصية لبنانية وعربية ودولية، أو من حيث اللحظة المصيرية التي تعيشها البلاد.(...) إن المعارضة، إزاءَ هذه التطورات الخطيرة، تطالب المجتمع الدولي بتحمُّل مسؤولياته تجاه لبنان – الوطن الأسير – وتدعوه إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية تضع اليد على هذه الجريمة».
- في 18 شباط 2005، أعلنت المعارضة إنطلاق " إنتفاضة الإستقلال " ودعت الشعب اللبناني بجميع فئاته وقواه السياسية إلى التوحُّد حول مطلبي " السيادة والحقيقة ".
- في 14 آذار 2005، إجتمع ثلث اللبنانيين المقيمين في البلاد، من كل المناطق والطوائف والمشارب، حول ضريح الشهيد الكبير، مطالبين بالحرية والسيادة والإستقلال، وبإظهار الحقيقة في تلك الجريمة المروّعة، معبّرين عن تخطيهم حواجز الحرب وما بعد الحرب، ومردّدين بصوت واحد: " نُقسم بالله العظيم، مسلمين ومسيحيين، أن نبقى موحَّدين، إلى أبد الآبدين، دفاعاً عن لبنان العظيم".
- في 26 نيسان 2005، بدأت القوات السورية إنسحابها الكامل من لبنان.
أيها اللبنانيون!
لقد توحَّدتُم فَنِلتُم الإستقلال! هكذا ... والباقي تفاصيل!
أيها اللبنانيون!
بين إستشهاد رفيق الحريري وانتفاضة الإستقلال نشأ عهدٌ وقَسَم، وثَّقَتهُما قافلةٌ من الشهداء الأبرار، وعذاباتٌ مشتركة تجاوزناها بالصبر والإيمان.
بين إغتيال رفيق الحريري واستقلال لبنان الثاني توهَّجت لحظةُ حقيقة، أضاءها دمُ الشهيد ورفاقه، على طريقٍ موصول، قرَّرتم أنتم في " ثورة الأرز " – نعم قرّرتم – أنه طريقٌ يمتدّ من دمِ كمال جنبلاط وبشير الجميّل ورنيه معوّض، إلى شهداء المقاومة " اللبنانية " و " الوطنية " و " الإسلامية "، إلى باسل فليحان، وسمير قصير وجورج حاوي و جبران تويني وبيار الجميّل، ووليد عيدو، و أنطوان غانم، إلى فرنسوا الحاج و وسام عيد، وكل شهداء القوات المسلّحة اللبنانية في معارك "نهر البارد" وسائر المواقع،
إلى كل نقطة دمٍ سالت من جريح على هذا الطريق،
إلى كل معتقل إختطفته يدُ القهر والإستبداد من على أرض لبنان،
إلى كل خيبةِ أملٍ لدى فتاة أو شاب غادرا لبنان بحثاً عن المستقبل في بلدٍ آخر،
وإلى كل الصابرين على أرض لبنان والعاملين من أجل غدٍ أفضل لهذا الوطن!
ايها اللبنانيون!
بعد انسحاب قوات الاحتلال الاسرلئيلية في العام 2000، حققتم في السنوات الخمس الماضية، بفضل وحدتكم، مسيحيين ومسلمين وقوى حيّة تعشق الحرية والإستقلال والديموقراطية في جمهورية العيش المشترك – حققتم سبعة إنجازات تاريخية كانت تبدو مستحيلةً للقريب والبعيد :
- حققتم مصالحةً وطنية فعليَّة طوت الحرب الأهلية إلى غير رجعة، فشرعتم في إعادة صوغِ هويتكم الوطنية الجامعة على ما ينبغي أن تكون.
- إستولدتُم رأياً عاماً مشتركاً، هو الأشدُّ اتساعاً وصلابةً وتنويراً في تاريخ لبنان.
- اسقطتم نظاماً أمنياً إستبدادياً، بقوة الإنتفاضة الشعبية السلمية، للمرة الأولى في تاريخ المنطقة.
- حصلتم على إنسحاب القوات السورية من بلدكم عام 2005.
- وضعتم حداً لاستمرار لبنان بلد ترتكب فيه الجرائم ويبقى المجرمون بمنأى عن الغقاب.
- حصلتم على قيام محكمة دولية خاصة بلبنان لمعاقبة الضالعين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسائر الجرائم ذات الصلة.
- إنتصرتم بصناديق الإقتراع على تهويل السلاح وشر الفتنة والتهديد بتغيير وجه لبنان.
- أنشأتم سفارةً لبلدكم في دمشق، واستقبلتم سفارةً لسوريا في بيروت. وها أنتم تشهدون مساعيَ نريدها أن تكون جادَّة وصادقة على طريق تصحيح العلاقات بين شعبين شقيقين ودولتين سيدتين مستقلتين.
أيها اللبنانيون!
نريد حقاً وصدقاً أن نطوي كل الصفحات السود، ولكننا نريد أيضاً وخصوصاً أن نفتح صفحة الأمل على مستقبلٍ واعدٍ لأبنائنا، متصالحٍ مع هويتنا، معزِزٍ لرسالتنا ومتّسعٍ لحلمنا اللبناني.
لهذا وضعنا قضية اغتيال الرئيس الشهيد ورفاقه في يد المحكمة الدولية، لجلاء الحقيقة وإصدار الحكم العادل.
ذلك أن المستقبل الذي نريد لا ينهض إلا على الحق والحقائق، وأن دولتنا المنشودة لا تُبنى على عادةِ الإفلات من العدالة.
ولذلك أيضاً نُعاهدكم، أيها اللبنانيون، على التمسّك بوحدتنا الوطنية وتوسيع نطاقها، لأنها أساسُ استقلالنا، وضمانةُ أسلوب عيشنا، ومصدرُ قدرتنا على مواجهة التحديات المقبلة. غير أن وحدتنا هذه، على غنى تنوعنا المشروع والمرغوب، لا تقوم ولا تستقيم بشروط فئة من بيننا، ولا طبعاً بشروط الخارج، وإنما بشروط الدولة الجامعة:
- الدولة المدنية القائمة على ميثاق العيش المشترك، المحتكمة إلى سلطة المؤسسات الدستورية والقانون، وإلى آليات النظام الجمهوري البرلماني الديموقراطي.
- الدولة السيّدة على جميع أراضيها والمقيمين عليها، والتي تحتكر القوة المسلحة والإمرة عليها في مجال الأمن الداخلي والدفاع الوطني في موجهة العدو الاسرائيلي وكل الأخطار الأخرى.
- الدولة التي نوحّد فيها إنجازَي الإستقلال والتحرير، بدلاً من بقائهما خارجَها متنافرَين.
- الدولة التي تلتزم تعهداتها العربية والدولية، لأن هذه التعهدات لا تمثّل قيوداً تُضعِفُها، بل هي مظلّةُ حمايةٍ لها.
- الدولة التي ترفض ويرفض أبناؤها تغليب الروابط والمصالح الخارجية على الشراكة الوطنية ومصلحة لبنان.
- الدولة التي تقوم على التراضي المنصف للجميع، لا على منطق الثنائيات أو الثلاثيات الطائفية التي دفع لبنان ثمنها غالياً في مراحل سابقة.
- الدولة التي تضمُّ مواطنين احراراً وجماعات دينية متنوعة، تؤمن برسالة العيش المشترك وتداول السلطة والتغيير عبر الوسائل السلمية والديموقراطية، فتستمد من ذلك الثقة بالنفس وبهاء الحضور، نابذةً خلف ظهرها فكرة الأقليات الخائفة او المتواطئة.
- الدولة التي تبدو على صورةِ شعبها المتناغم مع بعضه بعضاً، لا على صورةِ إحدى فئاته.
- الدولة العادلة فلا يكرهها شعبها، والطاردة للفساد فلا يخجلُ منها شعبها.
أيها اللبنانيون!
ما بين 14 شباط و14 آذار 2005 صنعتم ربيع بيروت، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية انتصرتم لرسالة العيش المشترك في أصعب الظروف وأحلك الأوقات، فكنتم أجملَ تحيةٍ إلى عالمكم العربي الذي توسّم في لبنان المتجدد مستقبَلَ العرب والعروبة الحديثة والمنفتحة. لقد قلتم كلمتكم: العيشُ المشترك رسالتُنا واسرئيل عدوتنا، وعروبةُ الإعتدال والتسامح والحوار والتضامن بساطُنا وخيمتُنا، وعالمُ العيش معاً فضاؤنا، حيث يعيش الناس معاً أحراراً متساوين مع تنوعكم.
أيها اللبنانيون!
من أجل ذلك كله، نحنُ على الموعد في الرابع عشر من شباط، في المكان ذاته، وبالعزيمة ذاتها، لنجدد العهد والقسم والأمل.