معركة التوازنات الجديدة على نار المواجهة الإقليمية - ايلي قصيفي

  • طوني حبيب -
  • opinions -
  • معركة التوازنات الجديدة على نار المواجهة الإقليمية - ايلي قصيفي
معركة التوازنات الجديدة على نار المواجهة الإقليمية - ايلي قصيفي
الأربعاء 3 يوليو, 2019

للناظر من بعيد ومن فوق اللعبة السياسية المحتقنة يتبدى مشهد نهار الأحد الماضي مشهداً مأسوياً محبطاً. ففي وقت يحبس اللبنانيون أنفاسهم خوفاً من أزمة إقتصادية خطيرة تنذر بكوارث اجتماعية وخضّات سياسية وربما أمنية في حال لم تتمّ المسارعة إلى ضبطها ووضع خريطة طريق للخروج منها، بأقل الخسائر الممكنة وبالعدل في توزيع هذه الخسائر على الشعب، تصل إلى هواتفهم المحمولة فيديوهات مليئة بأصوات الرصاص والسُباب وبأخبار القتل والعنف والاستفزاز، في مشهد يخالف ما كانت السلطة قد وعدتهم به بأن صيفهم واعد وبأن ربوعهم ستعجّ بالسيّاح والمهرجانات.

أمّا للناظر من قريب ومن قلب اللعبة السياسية فإن ما حصل متوقّع. ليس لجهة نوع الحوادث التي شهدها الجبل وكمّها، وإنما لناحية بلوغ الاحتقان السياسي حدوده القصوى بين افرقاء سياسيين متخاصمين، لم يلغِ اجتماعهم في حكومة وحدة وطنية خصامهم!

فإذا كانت التسوية السياسية التي انتجت هذه الحكومة في نسختها الثانية نجحت الى حد بعيد في احتواء واعادة تدوير التناقضات بين أفرقائها الأساسيين حتى باتوا شبه فريق واحد بالرغم من عدم المساواة في ما بينهم في حجم النفوذ داخل تلك التسوية، فإنها اخفقت اخفاقا ذريعا في استيعاب الأفرقاء الذين ارتضوها بعد ممانعة فالتحقوا بها مسلمّين بشروطها تبعاً لموازين القوى الجديدة.

لا بل يتبيّن مع مرور الوقت أن الفريق ذات الغلبة السياسية الأكبر في هذه التسوية وفي السلطة، أي التيار الوطني الحر، مدعوما من حليفه الرئيسي حزب الله، ليس مهجوساً بكيفية استيعاب أكبر قدر من القوى داخل هذه التسوية. لا بل هو، وعلى العكس من ذلك، يمضي بتصميم في ممارسة اقصى الضغوط على هذه القوى التي لم تكن في أساس التسوية ثمّ عادت فقبلت بها. وكلّ ذلك بهدف تكريس التوازنات الجديدة في اللعبة السياسية والتي فرضتها التسوية الرئاسية ومندرجاتها لاسيّما قانون الانتخابات وفق النظام النسبي، الذي انتج مجلسا نيابيا ثمّ حكومة تقبض ثنائية حزب الله والتيار الوطني الحر على الأرجحية السياسية فيهما.

من الواضح ان باسيل يرى ان تصعيده ضدّ القوى "الهامشية" في التسوية محقٌ سياسياً طالما هو يستند إلى واقع سياسي جديد أفرزته التسوية. وفي المقابل لا تزال هذه القوى نفسها ترفض هذا الواقع الجديد وتقاوم محاولات فرضه عليها بشتّى الوسائل بما فيها الشارع وإن تفلّت من الضوابط السلمية.

حوادث الجبل الأحد تقع في هذا السياق تحديداً؛ اي بين رؤية باسيل وخطتّه لفرض معادلات سياسية جديدة في المناطق كافة وداخل الطوائف كافة، بدءا من الطوائف المسيحية، وبين محاولة القوى المستهدفة ابقاء رأسها فوق المياه وصدّ المحاولات لتحجيمها سياسياً، والتي يتولّاها باسيل مدعوماً من حلفائه وفي مقدّمهم حزب الله، كما يتبيّن من مجريات احداث الجبل. وإن كانت حسابات الحزب مضبوطة على توقيت اقليمي أكثر منه محلياً، خصوصاً في اللحظة الراهنة حيث تواجه ايران التبعات الكبرى لخروج ترامب من الاتفاق النووي الشهير. من دون أن نغفل ما للعبة تصفية الحسابات الجديدة القديمة بين النظام في دمشق وجنبلاط على امتداد الجبل، من تأثير في سياقات الأحداث تلك.

طبعاً لا يمكن استسهال ربط احداث قبرشمون بتطورات المواجهة الايرانية الاميركية واخطرها مرتقب في 7 تموز الجاري في حال نفذت ايران تهديدها بزيادة معدل تخصيب اليورانيوم الى ما فوق الحد الاقصى المنصوص عليه في الاتفاق، وهو ما تحذر منه روسيا والصين حليفتا ايران، وكذلك الدولة الاوربية الموقعة على الاتفاق. الا انه في الوقت نفسه لا يمكن الفصل كليّا بين التصعيد  السياسي في الداخل اللبناني وبين مناخ السخونة والتوتر وحبس الانفاس الذي يخيّم على المنطقة من جرّاء المواجهة الايرانية الاميركية – الخليجية.

عدم امكان الفصل لا يعني إن إيران أو/و حزب الله أمرا باسيل بمواصلة التصعيد السياسي في لبنان لتكريس موازين القوة الجديدة. الا ان التصعيد السياسي الذي ادى الى ما ادى اليه في الجبل – من دون القول ان باسيل كان يريده او يعمل له – يتواتر او يتقاطع مع مناخ السخونة هذا من بيروت الى سوريا؛ حيث تعرضت مرواقعَ ايرانية لأعنف غارات اسرائيلية منذ اشهر، وبعد أيام قليلة على الاجتماع الأمني الروسي - الاسرائيلي - الاميركي في تل ابيب؛ والى العراق حيث تتضارب القراءات في مغزى قرار عبد المهدي دمج الحشد الشعبي ضمن المؤسسة الامنية وبأمرة القائد العام للقوات المسلحة؛ وصولا الى اليمن والخليج الذي لا يزال تحت أنظار العيون الاقتصادية والعسكرية للعالم.

نحن اذا في هذا المربّع السياسي الخطير الذي يفاقم خطورته عاملان؛ داخلي متمثل بالأزمة الاقتصادية والمالية التي يتخبط بها لبنان وسط تحذيرات صندوق النقد الدولي من تآكل الثقة بلبنان مع ما يعنيه ذلك من ارتدادات سلبية على اقتصاده وعملته. والعامل الثاني هو العامل الاقليمي في ظل المواجهة الايرانية الاميركية والتي يشكّل لبنان الى هذا الحد او ذاك ساحة من ساحاتها. ولا شك ان هذين العاملين كافيان لتلمس دقّة اللحظة السياسية الراهنة وخطورتها. الا أنّ الرهان على تقديم الاعتبارات الاخلاقية والوطنية على المصلحة السياسية المباشرة للقوى السياسية هو رهان اثبت التاريخ انه ليس في محلّه دائما. وغالب الظن أنّ تطورات الايام المقبلة ستظهر أن لبنان عاثر الحظ بطبقته السياسية، لاسيما ان هول الاحداث في الجبل لم يدفع القوى السياسية القابضة على الأمر في لبنان إلى مراجعة خطابها واستراتيجياتها، لا بل يبدو انها مستمرة في سعيها لكسر خصومها وتكريس التوازنات الجديدة بالرغم من خسارتها هذه الجولة على الأرض.. فما كان ماضيا، بالنسبة إليها، لا يمكن ان يكون حاضراً ومستقبلاً، بما في ذلك مصالحة الجبل التي لا بدّ من تجديدها وفق رؤية جديدة تضمّ باسيل عن المسيحيين وارسلان ووهاب عند الدروز.. فما بالكم بالطائف!!

إيلي القصيفي