ايتها الزميلات ، ايها الزملاء
نرحب بجميع المشاركات والمشاركين حضوراً أو عبر تقنية الزوم في جلسة الحوار هذه حول اتفاق الطائف والشرعية العربية ونظام المصلحة اللبناني، التي يشارك فيها كل من الدكتور أحمد فتفت والاستاذ أحمد عياش.
أسئلة كثيرة مشروعة تطرح في هذه اللحظات الخطيرة من تاريخ لبنان الكيان والدولة، حول ابعاد الحملة المتجددة والخبيثة على اتفاق الطائف المعروف بوثيقة الوفاق الوطني وعلى خلفية المطالبة بتغيير النظام، والتي ما انفكت تتكرر تباعاً، منذ اعلان التوصل الى هذا الاتفاق في الطائف برعاية دولية وعربية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية مشكورة، وتوقيعه، كي يصبح لاحقاً دستور الدولة اللبنانية، كما التساؤلات حول العودة مؤخراً لطروحات وشعارات الحرب الاهلية الامر الذي يعيد انتاج الانقسام الوطني مجدداً أفقياً وعمودياً .
ان الرفض والتصدي لمحاولات الانقلاب على الطائف في ظل الاختلال الحاصل في موازين القوى الداخلية وسطوة السلاح غير الشرعي على الحياة الوطنية، انما هو فعل إيمان حقيقي للدفاع عن مستقبل الكيان والدولة بكل الوسائل الديمقراطية المتاحة، كما ضرورة القيام بأوسع عملية تعبوية شعبية تمنع تكرار تجربة الاحتلال الاميركي للعراق بغطاء وتسهيلات لوجستية ايرانية، رافقها حل الدستور العراقي ما اتاح الفرصة لايران السيطرة السياسية والانقضاض على مقدرات العراق الاقتصادية عبر ميليشياتها المذهبية الى ان اصبح دولة فاشلة ومفككة رغم ثرواتها الطبيعية الكبيرة، وهذا ما يحاولون استنساخه لبنانياً .
وبما انه في كل لحظة وطنية مصيرية يعاد طرح السؤال لماذا اتفاق الطائف، فإن الاجابة عليه تتحدد عبر التداعيات التالية:
فلماذا لا تكون قضية جميع الوطنيين والاحرار الاولى في هذه المرحلة هي الدعوة الى تطبيق الدستور بجميع مندرجاته؟
هذه التساؤلات التي تحمل في مضمونها اجابات واضحة لا لبس فيها، تعيد التأكيد بأن اتفاق الطائف ما كان بالتأكيد اتفاق الضرورة، بل هو اتفاق الحلول الجدية والعملية لازمات وطنية عميقة ، تراكمت منذ خمسينيات القرن الماضي مروراً بمرحلة الحرب الاهلية واستطراداً حتى حاضرنا، فكان لبنان وفي لحظة احتدام صراع دولي، شبيهة بما يتعرض له اليوم، ممرا وحيدا للفيلة وساحة ناضجة لتداخل وتشابك هذه الصراعات المتعددة الابعاد على ارضه، وهذا ما يراد استثمار نتائجها داخلياً حاضراً.
إنها تساؤلات نابعة من اشكالية وطنية قاربها بعمق اتفاق الطائف، علّنا نساهم عبر جلسات الحوار هذه في إعادة تجديد الوعي السياسي الوطني السيادي حول تداعيات ومخاطر التلاعب بوثيقة الوفاق الوطني واستمرار العبث بالدستور، في زمن سطوة السلاح غير الشرعي الذي اخل بالتوازن وبالمشاركة في القرار الوطني وخاصة بقراري الحرب والسلم، والذي تجلى مؤخراً بتهريب اتفاق التطبيع الاقتصادي مع العدو الاسرائيلي والاعتراف بحدوده عبر اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي ينتقص من حدود لبنان الرسمية التاريخية، المرسمة اصلاً والمعترف بها دولياً، دون عرض مندرجاته المعلومة أو تلك المجهولة على مجلس النواب حتى الان .
ان اعادة تصويب البوصلة بالاتجاه الوطني الاستقلالي الجامع هو المسار الوحيد لتجاوز الحسابات السياسية الفئوية الضيقة، والتي اثبتت التجربة انها كانت من الاسباب الرئيسية التي خدمت مصالح الاطراف المعطلة لمسار بناء الدولة الوطنية الحديثة والنهوض بمؤسساتها، على قاعدة حرية واستقلالية قرارها الوطني بعيدا عن اي تبعية اقليمية تناقض المواثيق العربية وانتماء لبنان العربي.
فحذار من لحظة احتدام صراع الهويات المتعددة المخيمة على منطقتنا التي تهدف الى تقسيم المقسم وتجزئة المُجزأ والذي سيكون لبنان اولى ضحاياها اذا لم نرتق الى مستوى المسؤولية الوطنية الانقاذية التاريخية الجامعة لشعبنا بجميع مكوناته.