تحرير الشرعية واستعادة السيادة الوطنية
تحرير الشرعية واستعادة السيادة الوطنية
تزامنا مع الإعلان عن إنشاء المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان، انطلق نقاش من منطلقات قانونية وسياسية وواقعية بين أهل القانون والسياسة والفكر حول مدى مشروعية وصوابية اعتماد مصطلح «الاحتلال الإيراني للبنان». وقد حشد كل فريق طاقاته ومعارفه بحماسة مفرطة وسخّر كل قدراته اللغوية ومنتجاته العقلية من اجل إثبات صوابية رأيه. وبالنتيجة، انقسمت الآراء بين مؤيد ومعارض ومتحفظ على هذا المصطلح وتنوّعت التوصيفات (احتلال، وصاية، هيمنة، نفوذ، تدخل، تعامل الخ...)، في حين نجح "المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان"، وبصرف النظر عن مسألة التوصيف، بإطلاق مسار تحرير الشرعية واستعادة السيادة اللبنانية بشجاعة استثنائية وبلغة وطنية صافية على قاعدة اللقاء والتضامن الوطني بين جميع المؤمنين بهوية لبنان ودوره ورسالته.
للإجابة عن ما اذا كان لبنان محتلا أم لا، لا بد من العودة أولا الى نصوص ومبادئ القانون الدولي والاعراف ذات الصلة، وثانيا الى حقيقة تكوين وطبيعة المقاومة الاسلامية في لبنان (حزب الله) بصفتها حركة جهادية إسلامية يحمل عناصرها الهوية اللبنانية من جهة، ومن جهة أخرى يدينون بالولاء والانتماء العقائدي والعسكري المطلق للجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا التناقض بين الهوية اللبنانية والانتماء لولاية الفقيه، يشكل شذوذا عن قاعدة الانتماء الوطني ويتعارض مع الولاء الوطني لأي حزب أو إطار سياسي. وهذا الشذوذ ليس وليدَ الصدفة، إنما هو نِتاج الفكر الإيديولوجي والبعد الاستراتيجي لحزب الله المرتكز على ممارسة مبدأ التقية بما يمكّنه في الشكل من التستر وراء الهوية اللبنانية والتذرع بها، وفي الواقع من توظيف هذه الهوية لمصلحة انتمائه العقائدي، العسكري، الثقافي، والسياسي من أجل خدمة مصالح الجمهورية الاسلامية الايرانية ومشروعها في المنطقة على حساب المصلحة الوطنية والهوية اللبنانية الصافية.
بالرجوع إلى ميزان القانون الدولي، لا نجد نصا خاصا يتناول حالة شاذة كالحالة التي يمثلها حزب الله. ان المادة 42 من لائحة الحرب البرية المرفقة باتفاقية لاهاي عام 1907 الخاصة بقوانين الحرب وأعرافها "تعتبر ارض الدولة محتلة حين تكون السلطة الفعلي ةعليها لجيش العدو، ولا يشمل الاحتلال سوى الأرض التي يمكن أن تُمارَس فيها هذه السلطة بعد قيامها". أما اتفاقيات جنيف لعام 1949 وكذلك البروتوكولان الإضافيان لعام 1977 فلم تتضمن تعريفا للاحتلال وإن كانت الاتفاقية الرابعة تشمل نصوصا يمكن أن تنطبق على الأراضي المحتلة (المواد 27-34) وكذلك المواد (47-48)، أما في ما يتعلق بعهد عصبة الأمم 1919 وميثاق الأمم المتحدة 1945 فقد جاءا خاليين من أي تعريف للاحتلال.
وعليه، مع المتغيّرات الكبرى التي طرأت على العالم وبعد انقضاء أكثر من مئة سنة على اتفاقية لاهاي، برزت الحاجة لإدخال تعديلات على القانون الدولي وتوسيع مفهوم الاحتلال لا سيما وأن مصطلح الحرب المؤدي إلى الاحتلال لم يعد يقتصر على الأعمال العسكرية الكلاسيكية، بل توسع ليشمل الحروب الاقتصادية أو الالكترونية او السيبرانية، أو الحروب ضد المنظمات الإرهابية.
لقد تميّزت السنوات الأخيرة بزيادة التدخلات العسكرية خارج حدود أراضي الدول وبظهور منظّمات مسلحة الى جانب استمرار أشكال الاحتلال الأكثر تقليدية، مما أدّى إلى بروز أشكال جديدة من الوجود العسكري الأجنبي في أراضي بعض الدول، على أساس المساومة في بعض الأحيان، وعلى عكس ذلك في أحيان كثيرة، مما أعاد تركيز الاهتمام على قانون الاحتلال القائم الذي لا يزال جامدا ولا يأخذ في الاعتبار بشكل كاف تطور قانون حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وقد أظهرت أيضا أشكال الاحتلال الحديث مدى صعوبة تحديد الإطار القانوني الدقيق الذي يحكم استخدام القوة أو السيطرة في الأراضي المحتلة، بحيث أثارت إدارات منظمة الأمم المتحدة في أراضي الدول التي تعاني من هذه التدخلات، مسألة ما إذا كان قانون الاحتلال متصلا بهذه الحالات ويرعاها.
كما أخذت التحديات القانونية التي أثارتها الأشكال المعاصرة من الاحتلال مكانا محوريا في مداولات اجتماعات اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن الاحتلال وغيره من أشكال السيطرة وإدارة الأراضي الأجنبية، التي دارت حول ما إذا كانت قواعد قانون الاحتلال كافية للتعامل مع التحديات القانونية الناشئة عن أشكال الاحتلال المعاصرة، وما إذا كانت هناك حاجة إلى تعزيزها أو توضيحها أو تطويرها، بحيث أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حزيران 2012 تقريرا توصّل الى تعريف وتفسير الاحتلال بصورة أشمل وأعمق بما يتلاءم مع أشكال السيطرة والاحتلال الحديثة وبالاستناد الى مبادئ القانون الدولي، بحيث يكون هناك احتلالا «عندما تمارس دولة معينة سيطرة فعلية غير مقبول بها على دولة ما لا تملك حق السيادة عليها»،
وان « الاحتلال غير المباشر يكون عندما تفرض مجموعات محلية ومسلحة ومجنّدة من جيش أجنبي سيطرتها الفعلية على دولة ما او على اقليم فيها، وتتصرف كجهة عميلة لدولة أخرى فيتحقق بذلك شرط التدخل الاجنبي».
ولة مادّىنوي حائز على ترخيص من وزارة الداخلية عملا بأحكام القانون اللبناني
وبالفعل،
لقد تم تبني هذا المفهوم الحديث للاحتلال من قبل المحكمة الدولية الجنائية بالنسبة ليوغوسلافيا السابقة وفي قضية جمهورية الكونغو الديمقراطية بوجه أوغندا، كما في قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة بشأن Nagorno- Karabakh التي اعتبرتها أرضا محتلة من أرمينيا. (قرار مجلس الامن رقم 874 الصادر بالاجماع في 14/10/1993)
ونورد هنا مقتطفات من التقرير المذكور أعلاه:
International Committee of the Red Cross (ICRC) (2012).
Occupation and Other Forms of Administration of Foreign Territory, Geneva: ICRC.
Expert Meeting,
Occupation and Other Forms of Administration of Foreign Territory,
Report, ICRC
International Committee of the Red Cross 19, avenue de la Paix 1202 Geneva, Switzerland
March 2012
This document reports the findings of the ICRC project and meeting on occupation and other forms of administration of foreign territory.
Page 10
The concept of indirect effective control: the theory of indirect effective control holds that a State may be considered an occupying power for the purposes of IHL when it enforces overall control over de facto local authorities or other organized groups that have effective control over a territory or part thereof. In the course of the discussions, this theory was met with approval.
Page 23
While discussing the characteristics of the notion of effective control, one expert brought up the possibility of enforcing “indirect effective control” or “long-arm occupation.” This means that a State would be an occupying power for the purposes of IHL [International Humanitarian Law] when it enforced overall control over de facto local authorities or other organized groups that have effective control over a territory or part thereof. The situation in Nagorno-Karabakh was mentioned as an example of “long-arm occupation.” The experts noted that if this definition were to be applied, the result would accord with the position stated by the UN General Assembly in various resolutions about Nagorno-Karabakh: it was considered to be territory occupied by Armenia.
However, one expert expressed some concern about the concept of indirect effective control, fearing that it would overstrech IHL. He said that some element of foreign origin – an invasion by foreign forces, for instance – was necessary in order to classify a situation as an occupation and to trigger the applicability of occupation law. This expert rejected the possibility of occupation occurring indirectly, especially through the local population or other local elements.
This view was then contested by some experts, who expressed support for the theory of indirect control. They argued, notably, that occupation could be exerted through local armed groups enlisted by a foreign army, who would be acting as de facto agents of another State and would therefore be fulfilling the requirement of foreign involvement. This position has been endorsed by the International Criminal Tribunal for the former Yugoslavia in its jurisprudence8 and is implied by the ICJ in the case of Democratic Republic of the Congo v. Uganda.9
The expert who had challenged the relevance of indirect effective control then retreated from his original position, explaining that his reluctance to accept the concept was based on his scepticism about the notion of overall control rather than about occupation achieved through de facto local agents. The experts eventually agreed that occupation could take the form of overall control exerted by a foreign State over local authorities who had effective control of a territory.
8 ICTY, Prosecutor v. D. Tadic, Trial Chamber, judgment 7 May 1997, case IT-94-1-T, § 584; ICTY, Prosecutor v. Blaskic, Trial Chamber, judgment 3 March 2000, case IT-95-14-T, § 149-150; ICTY, Prosecutor v. I. Rajic, 13.09.1996, Review of the Indictment Pursuant to Rule 61 of the Rules of Procedure and Evidence, § 40 ff .
9 ICJ, Armed Activities on the Territory of the Congo (Democratic Republic of the Congo v. Uganda), decision of 19 December 2005, § 177
وبالعودة الى تصاريح متكررة ومتراكمة للمقاومة الاسلامية في لبنان، وانطلاقا من المبادئ الدولية لتعريف الاحتلال بمفهومه الحديث، وعملا بالمبدأ القانوني العام بأن الاقرار هو سيد الادلة، ان حزب الله هو الابن الشرعي للثورة الايرانية وهو جزء لا يتجزأ من فيلق حرس الثورة الاسلامية الذي يأتمر بأمر الولي الفقيه وينهي بنَهيِه، بدليل:
تأسيسا على كل ما تقدم،
وعطفا على مئات التصاريح الاخرى الصادرة عن مسؤولي حزب الله، والتي لا مجال لتعدادها، يكون حزب الله قد أقر صراحة أنه جماعة ايران في لبنان وجزء من الجيش الإيراني وأن ولاية الفقيه فوق الدستور اللبناني. وقد جاءت تصريحات المسؤولين الإيرانيين لتؤكد وتصادق على هذا الاقرار بدليل:
في الخلاصة، ان حزب الله لم يكن يوما حزبا لبنانيا وانتماءه كان منذ نشأته، ولا يزال، للنظام الإيراني وليس للبنان، وأصدق تعبير عن هذه الحالة وتوصيفها ما صرّح به إبراهيم الأمين الناطق باسم الحزب في العام 1987 :
«نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن ايران في لبنان ولبنان في ايران»
ان كل ما سبق تبيانه يقود الى نتيجة واحدة هي ان وجود حزب الله كجيش ايراني في لبنان يُعتبَر قوة احتلال بصرف النظر اذا ما كان احتلالا مباشرا او غير مباشر، وما أدل على مظاهر هذا الاحتلال وانتهاك السيادة اللبنانية سوى المساكنة بين متناقضين، بين الدولة والدويلة، بين بندقية الجيش والسلاح غير الشرعي، بين احترام الدستور والخروج عنه، بين القانون واللاقانون، بين شبكة اتصالات شرعية واخرى غير شرعية، بين المعابر الشرعية وتلك غير الشرعية، بين النظام المصرفي اللبناني ونظام القرض الحسن والاقتصاد الموازي، بين التمسك بالهوية اللبنانية وهدم عناصرها، بين الانفتاح والتعصب، بين الانتماء الى الشرعيتين الدولية والعربية والتمرد على قراراتهما، .... الخ