ظاهرة العنف في المنطقة العربية
والعنف الإرهابي على وجه الخصوص
السيدات والسادة،
كلما وقعت جريمة في دولة من العالم الغربي يُطرح السؤال الفوري، هل المُرتكب مسلم؟
إذا كان مسلماً فنكون أمام عمل إرهابي، وإلا فتكون جريمة عادية.
وحتى إذا كان المرتكب غيرَ مُسلم والضحايا مسلمين، كما في حالة جريمة قتل المصلّين الجماعية في نيوزيلندا، لا نُعدم مَن يجد له أعذاراً، كالقول إنه مصابٌ بمسٍ في عقله.
والحال أن كل عمل عُنفي، إرهابي، هو نتيجة لمسٍّ في عقل من يقدم عليه.
فكيف إذا كان دافعه دينياً- أيا يكن معتقده- وكما يفهم المرتكب الدين من موقعه المنحرف والضال؟
ما أريد قوله إن الدين مظلوم في هذه المعمعة، بعدما صادره تجار العنف مدةً طويلةً. والناس لا يرون أحداث العنف التي تلبس لبوس الدين إلا من زاوية ضيقة.
مَن يتوقف وقفة جدية متمعّنة في العنف الذي استهدف المساجد قبل أعوام، ليس في نواحي الهند وبورما وأوروبا وأميركا، بل في المملكة العربية السعودية والكويت والعراق وسواها، وعلى أيدي مسلمين، وإن كان إسلامهم إسمياً مزعوماً ومشوهاً تشويهاً فظيعاً؟
لا يُلغي ذلك أن الدين في أزمة، خصوصاً في هذا القرن الحادي والعشرين. وما ظاهرة "داعش" وأخواتها مثل "القاعدة" وما يسمى ب"حزب الله"، سوى انعكاسات لهذه الأزمة. وإن النُسخة السائدة للدين، إن كانت صحيحة أو تصوراً خاطئاً، هي إجمالاً نسخة مصادمة للحياة أو غير قابلة للحياة، وهذا موضوع يستلزم من المتخصصين الكثير من الجهد والتفكير . مع التأكيد على أن المسلمين كما المسيحيين يحبون الحياة ويريدونها. وأن التصور الواقعي للاعتدال والرغبة في العيش بسلام ووئام مع الآخرين المختلفين عنا هو ابن العقل والواقع، وليس تلميذاً لتفسيرات مشوهة يعتنقها من يريدون الخوض في أعمال عنف لغايات سياسية في حقيقة الأمر.
أعطي مثالاً ما حصل في سوريا والعراق. هل كان ذات خلفيات دينية أو سياسية؟ وماذا عن العنف السلطوي، غير الديني الذي لجأ إليه النظام القاتل في سوريا، والذي يقلد فيه النظام النازي العنصري الذي نكب ألمانيا وأوروبا في القرن الماضي؟
أترك الجواب لكم. وأود الإشارة في هذه العجالة إلى غياب اتفاق عالمي حتى اليوم على تحديد موحد للإرهاب. ياسر عرفات اعتبره جزء واسع من العالم إرهابياً لمدة طويلة، حين أنه كان مقاوماً في نظر شعبه.
(ما يسمى "حزب الله" يقدم نفسَه بصفتِهِ مقاوماً ويدعو أميركا إلى ترك المنطقة العربية. أياً تكن صفة هذا الحزب، ليته هو وسلاحه يترك لبنان وسوريا ودول المنطقة العربية تعيش بسلام ولا يستدرج إليها تدخلات أميركا وغيرها من خلال خدمته مشروع التوسع الإيراني الذي لا يعترف بالدول والحدود).
ختاماً أتمنى لو يتصدى أبناء المنطقة العربية الذين يتفكرون ، مسيحيين ومسلمين، لدور إيجابي لا يستطيع غيرهم حمله، على قاعدة عيشهم على بقعة واحدة مئات السنين، بحلوها ومرها، مما ولد لدى كل فريق منهم خبرة هائلة في التفاعل مع الآخر المختلف عنه دينياً.
ومن واجبي كإنسان وليس كمسيحي فقط أن أقول للعالم الغربي خصوصا والذي تجمعني به رابطة الدين وشيء من الثقافة "لا تظلموا المسلمين. إنهم أناس طيبون، ومظلومون أساسا في غالبيتهم بالفقر والجهل والأنظمة وتراكمات التاريخ السيئة بحقهم".
من واجبي كإنسان وليس كمسيحي أن أقول لإخوتي المسلمين إن عليهم التشجع والمبادرة لاقتحام العصر والحداثة. ونحن معكم في السراء والضراء. لا شيء ولا أحد يستطيع أن يفك شراكة الحياة التي بيننا من أجل مستقبل أفضل لنا جميعاً.