لا يأتي لقاؤنا من فراغ. إنه لقاء تاريخي ، أملته علينا الرغبة في نواكب انتقال منطقتنا وأهلنا من زمن قهر واستبداد الى زمن يعدنا بالحرية والكرامة، لا يمكننا أن نقف جانبا ونحن نواكب تخلّقه كي نخرج من عصر يندرج في سياقات دولية وعربية لطالما صنعها لنا آخرون ، لندخل في عصر جديد، نريد أن نكون من صانعيه ، لكي ينتهي التلاعب بنا.
ذات يوم غير بعيد، قال احدهم : إن معظم صراعات الزمن ما بعد السوفياتي سينصب على العالمين العربي والاسلامي، أو سيدور حولهما. واضاف: إن الهدف سيكون منع العرب والمسلمين من الانحيار للجنوب ضد الشمال، وللشرق الآسيوي البعيد ضد الغرب اليهودي المسيحي. أما الهدف، فسيكون كسب أو كسر العرب، بما لهم من مكانة رمزية بين المسلمين. نحن، سيداتي سادتي، نعيش اليوم في زمن كسر العرب، بأدوات صار أهمها، بعد استيلاء الخمينية على ايران، والهزائم أمام إسرائيل، وقيام الحلف الطائفي / المذهبي بين النظام الاسدي وملالي طهران، وما ترتب عليه من امتدادات مشرقية، صراعات الاديان والمذاهب والطوائف، التي نجتمع اليوم لنخرج انفسنا كمسيحيين وكمواطنين يحبون اوطانهم، ويريدون المحافظة على اديانهم السماوية، دون استثناء، والتمسك بما هو رحماني ومشترك بينها، وهو كثير، ووقف المتلاعبين بها ، الذين يشنون الحروب باسمها، ويخوضونها يوما بذريعة مكافحة الإرهاب، وآخر تحت ستار حماية الاقليات ، وحسم خلافات مذهبية قرروا ان ننخرط فيها، نيابة عنهم كاصحاب مصالح، غرباء ومحليون، يريدون لنا الهلاك في حرب الجميع ضد الجميع، بعد ان نتناسى كم توحدنا معتقداتنا ، وأنه لا نجاة لنا دون وقف هذه الحرب أيضا، على صعيديها العقدي وممارساتها، بما هو مشترك بيننا، وبين ادياننا السماوية، التي ليست ولا يجوز ان تكون مذاهب متناحرة، وإلا تعايشنا مع موتنا المجاني، بل العبثي، في سبيلها. نحن هنا، لاننا نؤمن ان ادياننا تسمو على المذاهب وصراعاتها، وانها تصون حياتنا، وتحمينا من ان نقتل أو نقتل ، ومن الانخراط في معارك لا جدوى منها، انحيازا الى طغاة هنا، وامراء حرب كنسيين هناك، يمتطون ظهر الدين، الذي يخالون هم، وحمقى المذاهب، ان نصرته هي حقا هدف من يقودونهم إلى حتفهم باسمها، ويتجاهلون أن الله جعل قتل النفس قتلا للناس جميعا، في نص القرآن الكريم. نجتمع هنا، لنعمل من أجل وقف هذا الجنون أيضا، ولاعادة أدياننا إلى موقعها من نفوسنا، التي لن تبلغ مراتب الإيمان الصادق، ما لم ينل مواطنونا حريتهم، وينعموا بالعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية، وتعم حياتهم الرحمانية والتسامح والقبول بالآخر والمختلف، ويجدوا ونجد في انفسنا الشجاعة لمقاومة الفساد والاستبداد، هذا المرض الفتاك، الذي يغتال مجتمعاتنا منذ نيف ونصف قرن، وشرع يفتك بشعوبنا بمجرد ان طالبته بحقوق لطالما تغني ممثلوه بها ، وها هم يقتلونها باسمها!. نجتمع هنا لنتعاهد على طي صفحة الاستبداد، وفتح صفحة الحرية، لاثراء وجودنا بها، وبحقنا في الاختلاف والتنوع، ورفضنا القطاع لان نرى في الآخر والمختلف كافرا، أو مشركا، أو مغايرا تجب هدايته، فالهداية ليست من مهامنا، وقد نهانا الله عنها، لأنه هو الذي يهدي من يشاء !.
ايتها السيدات ، أيها السادة
ليس بين مرامي لقائنا، كما افهمه، فصل الدين عن الحياة، ووضعهما أحدهما في مواجهة الآخر، أو تغريب أحدهما عن الآخر. الدين للبشر، وكذلك مؤسساته وكنائسه، التي لا بد أن توضع مثله في خدمتهم، وتتضامن معهم، وتتبنى قضاياهم، وتحفظ حياتهم ، وتنحاز اليهم ضد الظالمين والمستبدين، خاصة ان كانوا حكاما وطغاة، وتؤيد ما يضحون في سبيله خلال ما نعيشه من عصف انساني شامل وغير مسبوق، يمارسه أناسنا، وخاصة الشبيبة واجيالهم الجديدة، بأعلى قدر من الإصرار، لاتفاقه مع ما ينتظرونه منذ عقود ، بل وقرون، ولأنه يوحدهم في الحق. نحن هنا لدعم هذه الوحدة ، وما تقوم عليه من قيم علينا أن نرى من الآن فصاعدا معتقداتنا بمنظارها، كي لا تتمذهب وتبقينا في الجانب المظلم من وجودنا، الذي يغري على سبيل المثال امراء الكنيسة في سورية بمناصرة القتلة على ضحاياهم، وتحولوا إلي أدوات في ايديهم، ونسونا أن المسيحية ليست للمسيحيين وحدهم، بل لجميع البشر، وليست ملك أمراء كنائسها، أمراء الدين الخاضعين لأمراء الاستبداد، الذين لو رأووا انفسهم بأعين مسيحية لآثروا ان ينزلوا إلى الشوارع مطالبين بحقوق السوريين بدل امتطاء دبابات الاسد واطلاق النار على هؤلاء ، والمشاركة في سفك دمائهم، ولفعلوا ذلك دون خوف، ما دام ت نصرة المظلوم اكثر مسيحية من نجاتهم بجلدوهم ، ولانه كان عليهم رفع أصواتهم، بل وسياطهم، ضد من يفتك بالذين يضحون بارواحهم من أجل أنبل الأهداف: حريتهم ، التي غيبوا عنها طيلة عقود، وحين طالبوا بها سلميا ومدنيا، فتك الطغيان بهم، وصب رجال دين مسيحيون زيتهم على نارهم، بدل اطفائها بالانضمام إلى المطالبين بنصيبهم من الحياة، وإلى زلزال الذي يهز العالم العربي، ويؤذن بموت عالم وولادة آخر، بسلاح الحرية الذي لا يقهر، ونلتقي اليوم هنا لنعلن أننا مع ثورته في طول عالمنا العربي وعرضه، ومع الذاهبين من قهر الصمت والذل إلى رحمانية العدالة والمساوة، الذين نبارك يقظتهم وننضم اليهم، وندعوا المسيحيين إلى الالتحاق بهم، من اجل مستقبل تصنعه شعوب هم جزء لا يتجزأ منها، عليهم ما عليها ولهم ما لها .
أخيرا، تقف شعوبنا اليوم في جانب، ونظم الفساد والاستبداد في جانب نقيض. اننا حقا في عالم يولد وآخر يموت، ونجتمع هنا لنقول : إنه لم يعد مقبولا أن يخطأ أحد في الجانب الذي ينتمي إليه، والتاريخ لن ينتظر، أو يرحم أحدا !.