سيداتي سادتي، أيها الاصدقاء،
شبابٌ يحملونَ هواتفَ ذكيّةً وأحلاماً كبيرة، خرجوا ويخرجون تباعاً منذ العام 2010 من ظلمةِ أنظمَتِهم الإستبدادية في القاهرةِ ودمشقَ وتونسَ وبغدادَ وبيروتَ والخرطوم وطرابلسَ الغرب والجزائر وغيرها، مطالبين بالحريةِ والكرامةِ الإنسانية معَ وقبلَ الرغيف!
الإخوةُ والأخوات،
يتغيّرُ العالم من حولنا بنقلاتٍ نوعيةٍ سريعة وذاتِ أثرٍ جبريٍ علينا، فيما يتغيّرُ عالمُنا العربيُّ معه ببطءٍ وتعثُّرٍ وارتباك. هل يُعقلُ أن تكون منطقتُنا العربية، في نهاية العقدِ الأول من القرن الحادي والعشرين، هي المنطقةَ الوحيدةَ في العالم التي ما زالت في عصرِ الوصايات والإحتلالات والحروب الأهلية وجمهوريّات الموز ؟!
ثمّةَ اليوم مجموعةٌ من المسائلِ والقضايا تحتلُّ مراكزّ اهتمامِنا واهتمامِ اولادِنا :
1- دخولُ منطقتِنا في مرحلةٍ انتقالية ما زلنا نتلمّسُ معالِمَها في طالعِ الأبراج وفناجينِ القهوةِ العربيةِ المُرَّة، فيما اهتدت شعوبُ العالم إلى طُرُقِها واستقرَّت على خياراتِها الكُبرى، وتسيرُ في ذلك خطواتٍ سريعةً أو بطيئة، ولكنها في كلّ الأحوالِ تسير!
2- عولمةٌ فرضَت علينا أثقالَها في أسلوبِ العيشِ والإدارةِ والإقتصادِ والمالِ والبيئةِ والطُبّ وغير ذلك، وخلقت دورة نظامٍ عالمي جديد... فإمّا أن ندخلَ هذه الدورةَ باقتدارٍ وبشروطنا، أو نعتزلَها ونرفعَ أسوارَ فسطاطِنا ، لنلتحقَ بها مرغَمين وبشروطها!
3- ثورةُ معلوماتية واتصالاتٍ وشبكاتِ تواصلٍ إجتماعي، دخلت بيوتَنا واستحالت أدواتٍ بين أيدي أولادِنا، من خلفِ ظهرنا وظهرِ حُكّامنا ... ويقولُ أحدُ فلافسة هذه الثورةِ الشبّان : " إنَّ المنتسبين إلى شبكة "الفيسبوك" على سبيل المثال يُقدّرون بمليار، أي أقلَّ بقليل من عددِ المسلمينَ في العالم.. ولهؤلاء طقوسٌ و رموزٌ وكتاباتٌ وأصولُ مخاطبة، تكاد تتحوّلُ إلى أسلوبِ عيشٍ ينظّم حياتهم كما فعلت الأديان في الماضي...". فهل نتفاهمُ مع أولادنا بلغتهم، أو نُصادرُ ما بينَ أيديهم ونقتلعُ ألسِنتَهم، كما يحدثُ في غيرِ بلدٍ من بلداننا؟!
4- إنتعاشُ إسلامٍ سياسيٍ في بلادنا، محمولاً على غضبةٍ سلفيةٍ سنَيّة، أو نيوسلفيةٍ شيعية، تتوسّلان العنفَ وتكفّران كلَّ من ليس في خندقهما من الناس، وفي الوقتِ نفسه تتقاتلان وتتحالفان عند الحاجة!.. وفي النهاية والمحصّلة ليس هناك سوى فَتنٍ أهليّة، مفتونةٍ بألوانها وأعلامها "وآلهتها" .. تعالى اللهُ عمّا يصفون! فهل نواصلُ الفتنة، أم نعودُ إلى محبّةِ اللهِ ورحمته، فنتعلّم "كيفَ نعيشً معاً إخوةً، أو نموتُ معاً وجميعاً أغبياء"، على قولِ مارتن لوثر كينغ؟!
5- وللمرةِ الأولى في تاريخ أوروبا المعاصر يبرز الإسلامُ ناخباً وازناً في مجتمعاتها ويُطلقُ موجةً من الإسلاموفيا يركبُها التطرُّف الغربي بأحزابه الفاشيّةِ المتعصّبة، فيما تُطلقُ السلفيّاتُ الإسلامويةُ في بلادنا موجةً من الكريستيانوفوبيا، يركبُها بعضُ الإنتحاريين بأحزمةٍ متفجّرة إلى الغرب، وتستقبلُ بلادنا في الوقت نفسه دبّاباتٍ وطائراتٍ غازية، مباركةً "بماءٍ مقدّس"!.. فهل نعودُ إلى صدام الحضارات والأديان، أم نجنحُ إلى سلمٍ وأخوةٍ إنسانية؟!
السيداتُ والسادة.
تلك المسائل والقضايا، إنّ لم يكن بعضُها على جدول أعمالنا، فهو في خلفيةِ حوارنا وفي أفق استشرافنا.
نظرنا إلى الثورة السورية في بداياتها بعينِ الأمل، وقرأتُ شخصياً رسالةَ المجلس الوطني السوري التي أرسلها إلى مؤتمر 14 آذار في العام 2012 عربونَ تضامنٍ ووحدةِ حال... وتألّمنا كثيراً عندما نجح نظامُ الأسد المجرم في جرّ سوريا إلى حربٍ أهلية ليبقى متسيّداً بالقوّة والطُّغيان على كلِ مكوناتها الأهلية.
نأملُ معكم في النهوض مجدداً إلى واقعٍ افضل، كما نرى في نضال الشعب العراقي أملاً كبيراً، لأن هويةَ العراق العربيّة هي هُويتَنا ومصلحة شعبها هي في صلبِ مصلحتِنا الوطنيّة في وجه التفريسِ والميليشيات التابعة لإيران.
ونرفعُ الرأس بشباب وشابات لبنان وسوريا والسودان وبنغازي والجزائر وتونس...
كما ننظرُ إلى مصرِ بعينِ الأخوّة وهي التي لم تبخلُ يوماً في إغناء العروبة.
كما نقدّرُ عالياً ما تقوم به المملكة العربية السعودية في التصدي للحفاظ على نظامِ المصلحة العربية، ونحن نرقُبُ الاندفاعَ السعودي الكبير للتغيير والنهوضِ بحكمةِ الشيوخِ وشجاعةِ الشباب.
أيها السادة،
اشكرُ حضورَكم،
بالتوفيق.