نظم "لقاء سيدة الجبل" في اوتيل لو غبريال اليوم الأحد ندوةً عن "أهمية المراجعة السياسية" وذلك إحياءً للذكرى الأربعين على وفاة الوزير محمد عبد الحميد بيضون ، وتكريماً للراحل على جرأته وشجاعته النقدية في إجراء مراجعة لتجربته في العمل السياسي وهي جرأة لم يتحلى بها إلا قلة من القوى السياسية والأفراد.
وقد افتتحت الندوة بكلمة الإعلامي يقظان التقي وجاء فيها :
بادرة ممتازة ، ندوة لقاء سيدة الجبل حول المراجعة السياسية . مبادرة مشكورة للقاء والدكتور فارس سعيد ورفاقه بمناسبة مرور اربعين يوما على وفاة الصديق الأعز الوزير والنائب الستبق الدكتور محمد عبد الحميد بيضون . نجتمع معه بحضور عائلته الصغيرة والكبيرة ، نموذج البيت اللبناني ، المجتمع المفتوح .
محمد ابن هذا الاجتماع التعددي، جسد طاقة تواصلية ، تفاعلية ، مدينية . رجل حاضر برهافته، في كل الاوراق السيادية ، في مجمل القضايا في مواجهة الطبقة السياسية وجنونها ، وابطالها الوهميين في زمن الحرب والسلم ، يعرف خلفيات الامور وماهياتها . للاسف الفكر هو الاقل رواجا في الغالم . محمد كان مفكرا ومثقفا ، سوسيولوجيا مدينية ، ينتمي الى الافكار ، اكثر من انتمائه الى الاحزاب ، وممن عبروا من بيئاتهم الضيقة الى الفضاء الاوسع . كثير من كتابات الزملاء الصحافيين عبرت عن غزارة افكاره في محاولة تجاوز الوضع اللبناني الوهن المذهبي والطائفي ، والتقسيمات الحزبية والجغرافية والمناطقية .
محمد كان جزءا اساسيا من نص 14 اذار ، من كل اوراقها ، واعتمالاتها السياسية ، مؤمنا بمخارج تغييرية لن تاتي فجاة بل من خلال سلسلة خروقات منهجية ، ومن خلال معبر رئيسي عروبة لبنان . ليست العروبة التي سحلتنا ، او تلك التي تساوينا بالارض ، بل العروبة الحداثية التي لديها روؤيا تحترم الحريات العامة والدساتير وحقوق الانسان وديمقراطية المجتمات
وخصوصياتها الثقافية . صاحب افكار بنيوية وتفكيكية في ان ، هدفها الخروج من الازمات، في مواجهة الذين اخذوا البلاد الى الجحيم، والى حروب عبثية ، واصطفافات اقليمية محورية غير طبيعية .
من قال ان المطلوب من 14 اذار ان تكون مثالية ، وهي الاوضاع غير مثالية وبشكل كبير . لكن هل ستبقى الاوضاع تجري على حساب اللبنانيين . لا قمح ، لا سياسة . وسنوات عجاف صعبة في لبنان والمنطقة والعالم ؟
بيروت الجميلة التي احبها محمد تكاد تفقد سلطتها الثقافية والفكرية ، تفقد ناسها الايجابيين . محمد كان يملك تلك الايجابية حتى فبل ساعات من دخوله الكوما ، مؤمنا بامكانيات التغيير من وضع سياسي هو الاسوأ ، مراهنا على حركات التغيير الشعبية العربية . لكن الذي سيمثله غدا سيكون فرصة للتعافي من الخسائر . من دون ان يهمل اهمية تحرير بيروت من بشاعات الطبقة السياسية وخرائبها .
شكل بيضون تجربة العبور من الحزبية والميليشاوية الى المجتمع المدني ، الانتماء للافكار ، اكثر من الانتماء للاحزاب يمينا ويسارا ، وجسد في سنواته الاخيره كل ما تكرهه الميليشيات القديمة . اي افكار المجتمع المدني / التعددي / التقدمي / العقلاني بطبيعته السياسية ضد كل اشكال العنف والعبث والسلاح ، وضد كل اشكال الشعبوية السياسية .
جسد خارطة طريق جيوسياسية حين حذر ما قبل الحرب اليمنية بكثير عن خطر انتشار الميليشيات من خارج الحدود على الاوضاع الداخلية في الدول العربية . وناشد لبنان والدول العربية الانضمام الى المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة اشكال الحروب المقبلة . وكان من السباقين الذين حذروا من انهيار العملة الوطنية في لبنان والى تحول لبنان الى غزة جديدة . اما وصيته الاخيرة بيروت ، ودعوته الجميع الى عدم التخلي عنها باعتبارها الفضاء العربي الاساسي بكل جمالياتها ، للتضامن مع كل القضايا العربية والانسانية الكبرى .
ثمّ تمّ عرض فيلم وثائقي عن الراحل تناول أبرز محطات حياته ومواقفه السياسية.
كلمة "لقاء سيدة الجبل" الدكتور فارس سعيد
وتحدّث الدكتور فارس سعيد بإسم "لقاء سيدة الجبل" وقال : من أقوال الفلاسفة الإغريق،
" إنك لا تضع قدميك في النهر مرّتين، لأن النهر مُتغيّرٌ و متحرّك وعندما تضع قدمك في النهر المرّة القادمة، لن تكون نفس المياه، و لا تكون أنت نفس الشخص "
لم يضع محمّد عبد الحميد بيضون قدمه في النهر مرّتين، فهو استخلص دروس الماضي وسار إلى الأمام.
أخطأ مثلما نُخطِئ جميعاً وأصاب مثلما نصيب جميعاً، إنما ما يميّزه عن الآخرين هو أنه تمتّع بشجاعة المراجعة النقديّة والتحق بقافلة الكبار ممن ساروا على دروب المراجعة واستخلاص العِبر الوطنية الجامعة.
هؤلاء الشجعان ليسوا كثر في لبنان وربما في المنطقة لكنّهم أسّسوا إلى مدرسة المراجعة الضرورية لنا جميعاً وخاصةً للجيل الجديد من السياسيين.
في تجربتي السياسية شاهدت الكنيسة المارونية في ورشة مراجعة عندما أطلق البطريرك صفير أعمال المجمع البطريركي الماروني في العام 2003 وأصدر في حزيران 2006 ورقة الكنيسة والسياسة حيث قال بالحرف " لو استمع الموارنة إلى شكوى المسلمين في ستينات وسبعينات القرن الماضي وعملوا على إدخال بعض الإصلاحات الدستورية لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه ".
شاهدت أيضاً سمير فرنجية وجورج حاوي ونصير الأسعد ومحسن إبراهيم وهشام دبسي يراجعون تجربتهم في اليسار و ينتقدون مساهمتهم في إقحام منظمة التحرير في الصراع اللبناني الداخلي واستسهال التغيير بالسلاح فكان ما حصل جنوناً مُطبقاً.
خارج الكنيسة وهذه الكوكبة من الشخصيات من ضمنها محمد عبد الحميد بيضون لم أسمع إلاّ إعتذارات واعترافات مشكورة إنما لم ترتقي إلى مستوى المراجعة. وحدَها الكنيسة قالت بشجاعة وجُرأة : لقد شهدت الكنيسة المارونية أولادها يُقتلون ويتقاتلون ويَقتلون.
أردنا في لقاء سيدة الجبل تكريم الصديق والعضو المؤسّس في عديد من الأطر السياسية التي تهدف إلى جمع اللبنانيين حول الفكرة اللبنانية المرتكزة على العيش المشترك ونهائية الكيان.
ونشدّد على قيمة الرجل الفكرية والإخلاقية وتجربته الوطنية ونرجو من جيل السياسيين الجديد التنبّه إلى عدم الدفاع عن نهائيات.
كلمة الأستاذ هادي الأسعد
ثمّ تحدّث الأستاذ هادي الأسعد شاكراً الصديق العزيز الدكتور فارس سعيد لدعوته لهذا اللقاء الذي نحتفل به بذكرى أربعين غياب محمد عبد الحميد بيضون أحد الوجوه الشيعية "المختلفة" وغير المنضوية ضمن إطار ما يسمى "الثنائي الشيعي".
بدأ محمد مساره السياسي مناضلاً يسارياً في أواخر ستينيات أوائل سبعينيات القرن الماضي، ولقد عرفته بالطبع ضمن الأطر الحزبية لمنظمة العمل الشيوعي.
عندما أتكلم عن محمد عبد الحميد بيضون تقفز بي الذاكرة مباشرة إلأى شقيقي وحبيبي نصير، لما لهما من عوامل شبه ومحطات متقاربة في مسارهما.
نقطة الاختلاف الأبرز في مسارهما هي في انخراط محمد عبد الحميد بيضون في الهيكلية السياسية للنظام اللبناني من خلال تجربته في حركة أمل، وبالتالي في تجربته على مستوى بعض المسؤوليات النيابية والوزارية.
لقد كان لهما الشجاعة في النقد الذاتي وفي نقد تجربتهما، كل من موقعه.
فنصير مع انطلاق ثورة الأرز كان سباقا في تقديم قراءة نقدية صريحة لتجربة الحركة الوطنية اللبنانية واليسار اللبناني، وكان سبقه إلى ذلك، مع استشهاد جورج حاوي، الرجل السياسي الوحيد الذي قام بمطالعة علنية ومفصلة، عنيت به المرحوم أبو خالد محسن ابراهيم- الأمين العام لمنظمة العمل الشيوعي.
لم يقم أي مسؤول سياسي لبناني آخر من الذين عاشوا وعاصروا مرحلة الحرب الأهلية بأي عملية مراجعة نقدية واضحة.
طبعا مصالحة الجبل تدخل ضمن هذه المراجعة ولكن من باب محدّد.
أودّ أن أسرّ لكم بقصة حصلت مع الدكتور سمير جعجع. (زيارة شكر بعد وفاة نصير)
وكذلك فعل محمد عبد الحميد بيضون عندما كانت له الشجاعة الكافية لمواجهة حركة أمل ورئيسها، والإضاءة على مكامن الفساد والخطأ في تجربتها، والتي حوّلته إلى هدف مقصود في كل مناسبة.
إذا هكذا رجال لها مصداقية الشجاعة والمراجعة والنقد الذاتب، وهذا ما هو مطلوب اليوم وفي كل يوم.
ما ينقصنا هم الرجال القادرين على الجاهرة بخطئهم أو أخطائهم والتأسيس على ذلك لبناء مواقف متقدمة يسمح بالنهوض بالبلد وناسه.
لاقاهم في ذلك وايضا على طريقته سمير بك، الباحث الدائم عن ما يقرّب بين الواحد والآخر حتى النهاية.
جميعهم في مكان ما شهداء لهذا النضال المستمر، (انفجروا تعباً وغضباً)وانفجرت قلوبهم وإن لم يُفَجّروا.
نواف سلام أيضا آت من هذا اليسار عينه. ومن مدرسة الدماثة والمراجهة عينها.
وعلينا اليوم أن ندعو الجيل الصاعد والشباب بمراجعة مسيرة "الثورة" خلال السنتين – الثلاث الماضية لاستخلاص الدروس، وملاقاة المخلصين والراغبين فعلاص في بناء لبنان سيّد حر مستقل في مواجهة الهيمنة الايرانية!
كلمة الأستاذ حسّان الرفاعي
كما كانت كلمة للأستاذ حسان الرفاعي جاء فيها : تعرّفـت الى الدكتور محمد عبد الحميد بيضون عبر شاشات التلفزيون في حواراته السياسية الشيقة والجاذبة والتي تظهر ذكاء الرجل اللافت.
ذات يوم دعاني الصديق الصحفي أحمد عيّاش الى زيارة الدكتور محمد لتبادل الآراء في احوال الوطن . تكرّرت الزيارات الى ان وصلنا ذات يومٍ الى "البيت اللبناني" وهي تسمية لاجتماع لبنانيات ولبنانيين آتون من اتجاهات مختلفة تجمعهم الغيرة على الوطن والخط السيادي النقيّ.
كان الدكتور محمد يُحضّر جو اللقاء إذ بعد الترحيب اللطيف دائماً كان يطلق فكرة أو أفكاراً ويفتح باب النقاش والحوار وكان يجانب اكثار التدخّل تاركاً لزواره كل الحرية في التعبير عن آرائهم مكتفياً بمراقبة حماستنا في طرح الافكار وتبادلها ساهراً على ان تكون اصناف الضيافة السخيّة تغنيك عن وجبة العشاء . وربما كان الدكتور محمد يقول في نفسه ، لا بدّ ان يأتي اليوم الذي تتحقق فيه بعض آمالنا ، اما المهم اليوم فهو الا يتسرّب اليأس الينا كما كان يفرض هو ان يغلبه اليأس في مرضه.
لذلك وانطلاقاً من روحيّة "البيت اللبناني" ووفاء لراحلنا الحبيب ولما مارسناه من حريّة التعبير واتساع افقه، اسمح لنفسي ان اطرح الآتي وكأني اليوم في حضرة الغائب – الحاضر الدكتور محمد بيضون.
انها دراسة اعدّت في نيسان 2021 ووقّعها اكثر من الف لبنانية ولبناني.
كما ان الرئيس ميقاتي لاقى في اكثر من موضوع الرئيس عون في خروجه على الدستور واصول النظام الديمقراطي البرلماني وخاصة في أليات تشكيل الحكومة . لذلك استحق هو ايضاً دراسة وضعتها نهاية شهر تشرين الاول 2021 توثّق تماهيه مع الرئيس عون.
عذراً للاطالة ، رحمك الله دكتور محمد ، نعدك اننا لن ندع اليأس يدخل قلوبنا .
كلمة النائب مروان حمادة
واستهلّ النائب مروان حمادة كلمته بتعداد الصفات الشخصية والسياسية لبيضون، مشيرا الى انه كاk يحب ان يتشبه به.
ثم اختصر حياة الراحل السياسية بثلاث محطات:
الاولى محطة الحلم انطلاقاً من اليسار في منظمة العمل الشيوعي، في مرحلة كنا جميعا متعلقين بهذه الاحلام بدءا من صعود الناصرية، ثمّ مع ابو خالد محسن ابراهيم، الذي كان الى آخر لحظة من حياته ذا رؤية سياسية ثاقبة.
المحطة الثانية هي محطة العبور حيث اكتشف محمد انه لا يستطيع ان يحدث فارقا في الحياة السياسية ان لم ينخرط بعمق في العملية السياسية، فانضم الى حركة المحرومين التي كانت على تماس مع اليسار.
في هذه المرحلة حضرت معه الكثير من المؤتمرات من جنيف ولوزان الى الاتفاق الثلاثي الذي كان اساس اتفاق الطائف، ثم وصلنا الى اتفاق الطائف، وقد حاول بيضون تطبيقه بعدل وعدالة من دون تزلف للسوري ولا انقياد للقيادة الحزبية.
كان محمد نجم حركة امل، وكان شريك في حل الميليشيات وجمع السلاح الثقيل والدفاع عن الجنوب.
ثم حصل الطلاق مع هذا المناخ عندما اصبح محمد مزعجا للحركة والوصاية السورية والايرانيين المتأهبين للحلول مكانها.
ولو لم ينكفئ محمد لكان استشهد، وهنا بدأت مرحلة المراجعة ليس من باب جلد الذات وانما من اجل استخلاص العبر من اجل مستقبل لبنان، ومحمد كان احد ابطال تلك المرحلة.
واختتمت الندوة بكلمة العائلة ألقتها ابنته روان محمد عبد الحميد بيضون وجاء فيها :
اليوم المشؤوم
الثالث
الأسبوع
الاربعين
الخمسة وسبعين
215
330
الأربعة آلاف ومئتين
بابا كان يحب الأرقام
بس ايام الحزن ما بتنعد
بس فيي عد السنين لي كان مريض فيها و ما قال أخ
و فيي عد العالم اللي ساعدها تحسن اوضاعها و تحقق طموحها
وفيي عد الكتب اللي قراها
بس الأرقام ما فيها تعبر عن روح الابتكار لي كان عندو ياها
الأرقام ما فيها تعد احلامه ببلد الخيبات
ولا قديش كان ملهم للكل بالعيلة او ايا حدا التقى فيه
ولا بتقدر الارقام تعبر عن حبنا و تقديرنا له
ولا فيها تعد اللحظات اللي ما راح ننقدر نستعيدها معه
بابا كان يحب الأرقام ببلد عدو للأرقام
البابا كان تفكيرو مستقل وحر ببلد الناس بتخلي الزعما تفكر عنا
البابا كان إنساني ببلد عم تنداس كرامة الانسان فيه
كان متواضع ببلد عايش على الغرور
البابا كل عمرو كان يلمع بعيونه الذكاء وحب للحياة
وانا هيك رح ضل اتذكرو
بشكر كل لي واسونا وعزونا و وقفو حدنا و لي اتصلو فينا، وبالأخص بشكر لقاء سيدة الجبل لاصرارهم احياء ذكرى الأربعين لمحمد عبد الحميد بيضون
و شكرا لكل الحضور اليوم.
مقدم الندوة الاستاذ يقظان التقي
الدكتور فارس سعيد
الاستاذ هادي الأسعد
الاستاذ مروان حمادة والدكتور شبلي الملاط
السيد علي الأمين والدكتور فارس سعيد مع جانب من الحضور
الاستاذ حسان الرفاعي
الآنسة روان محمد عبد الحميد بيضون