مداخلة الاستاذ خليل طوبيا - لبنان

مداخلة الاستاذ خليل طوبيا - لبنان
الأحد 24 نوفمبر, 2019

الدولة الوطنية في المنطقة العربية – العروبة و العمل العربي المشترك:

(ماهي الدولة الوطنية التي يثورمن أجلها الشابات والشباب في البلدان العربية؟)

لا يخفى على أحد أن الانتفاضات في العالم العربي كثيرة و تتشابه في مضمونها السياسي وبعدها الاجتماعي الاقتصادي. فعلى الرغم من الطابع المطلبي لمعظم هذه الانتفاضات، إلا أنها في الواقع اندلعت رفضاً لفكرة واحدة هي فكرة "التسووية"، أو بشكل أدق "التسويةُ على حساب الشعوب"، أي "قيام أنظمة استبدادية فاسدة وظالمة على حساب شعوب المنطقة". فلماذا فشل قيام الدولة الوطنية في العالم العربي وما هي ملامح الدولة الوطنية التي ينشد شبابنا قيامها؟

أسباب فشل قيام الدولة الوطنية:

بنت الدول العربية استقرارها على عقيدتين:

  • العداء لإسرائيل، فسَخرت من أجلها الموارد والتنمية لبناء الدولة الوطنية، كما جرى ربط مفهوم العروبة بمحاربة إسرائيل وتحرير فلسطين.
  • الحفاظُ على السلم الأهلي في دول تعددية عبر عقد اجتماعي فوض السلطة لنظام ذات لون واحد، كما فوضها حماية الأقليات من دينية إلى عرقية وأثنية.

في ظل هاتين العقيدتين، شهدت معظم البلدان العربية انقلابات أطاحت بالأنظمة الملكية ليخلفها أنظمة جلها ذات بعد اشتراكي يهدف نظرياً إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين مختلف الطبقات الاجتماعية.

بعد نكسة عام 1967، وفك الارتباط بين سوريا وإسرائيل عام 1974 وزيارة الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل عام 1977 وما تبعها من توقيع لاتفاق كمب ديفيد بين الدولتين عام 1978، انكفأت الدولُ العربيةُ عن محاربة اسرائيل وانكفأت مع ذلك أحلام كثيرة ارتبطت بالعروبة كحلم الوحدة وحلم تحرير فلسطين، كما ذهب حلم المجتمع العادل لأن الاشتراكية في تحقيق المجتمع العادل فشلت فشلاً ذريعا في إحداث نقلة تنموية على الأصعدة كافة من اجتماعية واقتصادية إلى تربوية وخدماتية. شكل سقوط الأحلام هذا بداية لصعود نجم الإسلام السياسي الذي طرح نفسه بديلا للعروبة وللاشتراكية معا. وعلى الرغم من الخلافات التي سادت العلاقات بين مختلف الأنظمة العربية، فقد نسجت فيما بينها "علاقة مصلحة". وجاءت ثورة عام 1979 في إيران لتضيف إلى مشاكل المنطقة، إذ حاولت الاستفادة من الفراغ السياسي الذي خلقه الانكفاءُ العربيُ ونظامُ المصلحةَ لتتغلغل في المنطقة تنفيذا لطموح تصدير ثورتها. بنت إيران أطروحاتها السياسية في المنطقة على قاعدة محاربة إسرائيل و محاربة الامبريالية الأميركية، فاستثمرت في بناء قوة عسكرية شيعية في لبنان وفي نسج تحالف سياسي مع الأقليات في المنطقة، كما دفعَت بلصق تهمة الارهاب بالإسلام السياسي السني الصاعد. إن الثورات في العالم العربي تحمل في طياتها الكثير من الأوجاع والمأسي، ولكنها تشكل بادرة أمل كبيرة لأنها تمردت على تسويات جاءت على حساب:

  1. قيام دولة الحق وحقوق الفرد.
  2. على حساب عقد اجتماعي نابع من طبقية مجتمعها وقائم على صناعة التوافق الوطني العام وبناء السلام الاجتماعي وتعزيز شبكة العلاقات الوطنية وترصينها على أساس التفاهم والتعاون.
  3. على حساب سيادة واستقلال كل بلد.
  4. على حساب الشراكة و التكامل العربي.


 

ملامح الدولة الوطنية التي ننشد كشباب بها:

في دولة الحق و حقوق الفرد.

  1. نتفض لبناء دولة الحق العادلة بمفهومها وممارستها والتي تضع على رأس أولوياتها الفرد، الانسان، قبل الجماعة. ففي دولة الحق، تتسع المواطنة للجميع دون استثناء ويُعطى كل فرد حقُوقه كاملةً، ويتساوى الجميع أمام القانون في الحقوق والواجبات، وتكون الدولةُ المرجعَ الأولَ والأخير. قامت دولنا على أنظمة استبدادية ضاعت فيها هويةَ الفرد لصالح "مصلحة الكل"، وفقد الانسان قيمته خارج المجموعة التي ينتمي اليها. في هذه الأنظمة كلُ من لا ينتمي الى الحزب الحاكم أو لا يدور في فلكه الضيق لا مستقبلَ له. وعليه، بنت الأنظمةُ اقتصادات معاكسة لطموحات الفرد وأحلامه وتطلعاته.
  2. ننتفضُ لأننا نرفض الدساتير القائمة على ثقافة الصراع ونريد دساتير تلتزم شرعة حقوق الانسان وتعتمدها مرجعاً لصون قوانينها. نريد بناء ديمقراطية تفصل بين السلطات الثلاث وتعطي للقضاء استقلاليتَهُ. كما نريد انشاء قوانين انتخابية لمجالسَ نيابية ومجالسَ شيوخ تتلاءم مع خصوصيات وحاجات مجتماعتنا. ونطمحُ بأن تأتي هذه المجالس بممثلين معتدلين قادرين على بناء مستقبل على مبادىء العيش المشترك كما جاء في المراجع التي ارتكزعليها مؤتمرُنا.
  3. ننتفضُ لأننا نريد بنَاء دول حديثة تأخذُ من الحكم أو الادارة الرشيدة نمطاً للعمل. نطمح الى دول رشيقة قادرة وفعالة، تستعين بالوسائل التكنولجية لضبط النفقات وحسن الادارة، و تسمح لأجهزة الرقابة و لمنظمات مدنية بمراقبة مسبقة ولاحقة للحد من أي انتهاكات.
  4. ننتفضُ على أنظمة حجبت عن شبابها كل أنواع التطور. فالشبابُ تحت سن الـ 24 يمثلون 41% من سكان المنطقة. نظرت الأنظمةُ مثلاً الى الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي كخطر وجودي فقررَت منعها تحت حجة حماية نظام التلفيقات. رفضت مواكبةَ الشباب في طريقهم نحو التطور والحرية. نعلمُ كشابات وشباب ان اقصاد بلادنا ينهارُ جراءَ سياسات فاسدة بنيت على مصالح فئوية واجاءت على حساب عقدنا الاجتماعي. 35% من الشبات والشاباب بين 18 و 25 سنة هم دونَ عمل. نحن جيل ٌ يستطيعُ ان يتكلم مع باقي شعوب العالم بنفس اللغة و نلتقي جميعاً في مطالبنا المعيشية. لن نقبلَ بعد اليوم بتسوية مع الفساد بحجة "البرغماتية السياسية".

اجتماعي نابع من طبقية مجتمعها

  1. ننتفضُ لنسف ممارسات العقد الاجتماعي القديم الذي خطف الطوائف و خاصةً الأقليات منها كرهينة ودرع في آنَ واحد للتصدي لأي سهام قد تصيبُ الأنظمة. كما ساهمت الأنظمةُ في تصدير الارهاب كورقة تفاوضية أساسية في مخاطبة الغرب وإحراجه عند مطالبته بادخال اصلاحات سياسية واقتصادية في بلادنا.
  2. ننتفض أيضاً لنقولَ لكل العالم أن الثورات في العالم العربي هي سلميةٌ رغم نجاح الأنظمة بحرفها عن مسارها و أخذها الى ملاعب العنف و الدمار التي لا تشبهُنا كشباب. نوجه من خلال هذه الثورات رسالة إلى العالم أن العرب ليسوا ارهابيين وبالتالي ليسوا أعداءكم. أعداؤكم هي أنظمتُنا الديكتاتورية التي تبرع في صناعة الارهابيين. أنظمتنا الديكتاتورية تخلقُ وتجهزُ وتوجهُ وتصدرُ المجموعات الارهابية. أقول هذا الكلام من باريس لأن الارهاب ضرب العاصمة الفرنسية بحادثة ال bataclan الأليمة و هي أكبر مجزرة في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية. ان محور الممانعة كانت له اليد الطولى في خلق تنظيم داعش، كما برع النظامُ السوري في خلق تنظيمات ارهابية كفتح الاسلام وغيرها في لبنانَ و في دول اخرى. نجحت هذه الأنظمةُ و خلفها ايران بتظهير أن الرديف للاسلام السني هو الارهابُ.
  3. ننتفض في لحظة كاد منطقُ تحالف الأقليات يطيحُ بنا جميعاً. ينشأُ الأن مع الثورات عقد اجتماعي جديد لا نعرف إلى ماذا سيؤول اليه. كما علينا بذلُ جهود لمعالجة رواسب التوتر المذهبي والانتقالُ سريعاً الى المساحة الوطنية المشتركة. نطمحُ كشبابا في بناء دولة الحق تكونَ فيها الطوائفُ حامية للعيش المشترك وتلعبَ مؤسساتها دوراً ترشيدياً و ثقافياً في بناء هوية المواطن.  

سيادة واستقلال كل بلد

  1. ننتفضُ لأننا نريدُ أن تبقى أوطاننا بحدودها الحالية والمعترف بها وأن يكونَ الفردُ أساسَ الوطن. لا نريدُ أن تنشأ دولٌ جديدةٌ مبنيةٌ على كيانات مذهبية نريد ابقاء دولنا بحدودها الحالية.
  2. ننتفضُ اليوم على أنظمتنا لأنها أهدتنا دون أي مقابل كورقة تفاوضية للايرانيين.
  3. ننتفضُ لوضع أسس دولة الحق في العالم العربي بدءا بتحرير بلادنا من التسويات على حساب سيادة أوطاننا.

الشراكة و التكامل العربي.

  1. ان معركةَ استعادة السيادة لن تكون بالسهلة، والتحدي يملي علينا بذلَ جهود لمصالحات عربية عربية كما بادر الاخوة السوريين والفلسطنيين الى المصارحة والمصالحة مع اللبنانيين بعد تجارب أليمة.
  2. ننتفض لان مسؤلياتُنا الوطنية و العربية تدعونا الى التلاقي لبناء مستقبل واعد معاً. مستقبلنا يدعونا الى التفكير سوياً في بذل جهود اضافية لنبني معاً تكاملاً اقتصادياً عبر اعادة احياء مشاريعَ في مجالات عدة والتفكير معاً باستثمارات في كل المجالات التربوية الثقافية الاقتصادية والمعلوماتية لحرية الانسان.