في الارهاب .
لا يمكن الحديث عن الارهاب دون التطرق الى علاقته بالانظمة القمعية بالعموم، وبالنظام السوري بالخصوص لا لان ارهاب هذا النظام قد فاق بوحشيته وادواته القاتلة وحشية الارهاب العالمي مجتمعا، بل لدوره المخفي والمباشر والخطير ويده الطولى في نشأة ورسم المسار لكثير من منظمات هذا الارهاب بشخوصه وتعبيراته . ولنتذكر ابو القعقاع وجماعته "غرباء الشام" ، وابو عدس وجماعتة "النصرة والجهاد في بلاد الشام" ، والعبسي و"فتح الاسلام" وصولا لداعش البغدادي والدور المفضوح جزئيا له وللنظام الايراني في نشأتها قبل ان تضحي كما يقولون شركة مساهمة يستثمر فيها اغلب اللاعبين الاقليميين والدوليين على حساب الدم السوري والعراقي .
عبر لعبة مزدوجة "وجهنمية" مارسها هذا النظام في خلق و توجيه الارهاب ، ومكافحته في الآن ذاته، عمل على فرض نفسه رقما لا يمكن الاستغناء عنه من قبل الدول الفاعلة بحجة دَورية في ارساء الامن الاقليمي والدولي وفي مكافحة الارهاب ، مظهرا نفسه امام هذه الدول نظاما حداثيا ومتنورا وحاميا للاقليات في الوقت الذي كان فيه ينهج نهجا طائفيا مقززا مكرسا ثنائية لم تعرفها سوريا من قبل - ثنائية الاقليات في مواجهة الأغلبية - مستنفرا غرائز العزلة والخوف لهذه المكونات من اغلبية لطالما صورها كحاضنة للإرهاب الاسلاموي. بعد الثورة توّج النظام سياسته هذه بحملة ابادة جماعيه لهذه الحاضنه اعلنها بشار الاسد بحديثه الشهير عام 2014 عندما قال ان حاضنة الارهاب هذه تُعد بالملايين، بعد ان كان قد مارس ولعقود حملات قمع ممنهج طالت كل تيار ديمقراطي جامع للسوريين، او ديني متنور ومن منبت شعبي حر، واعطي مثالا هنا الشيخ جودت سعيد وتياره اللاعنفي والذي تعرض شبابه لأحكام بعشرات السنوات في السجون لابسط التهم، ثم قُتل وغيب منه اخرون اثناء الثورة كالشهيد غياث مطر الذي قضى تحت التعذيب .
وبقسوة مماثله عامل كل من خرج عن طاعته من هذه المكونات كاشفا خطورة نهجه عليها وعلى البلد ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الشهيد حسن الخير الذي قضى تحت التعذيب ويقال انهم قطعوا لسانه لقصيدته الشهيرة عقب مذبحة حماه عام 1982 وعبد العزيز الخير الذي غُيب منذ عام 2012، والدكتور سالم جرجس مروش ابن حمص العدية وحماه، الحر والحي ابدا في ضمائرنا الذي اختفى عقب اعتقاله في آب 2012 لانحيازه للثورة، وهو من الشخصيات التي وقعت بيان المثقفين السوريين المسيحيين الموجه لاصحاب الغبطة ورؤساء الكنائس الصادر في 17/9/2011 يطالبهم فيه بالوقوف الى جانب خيارات الشعب السوري ، وبموقف يرفض الظلم والقمع تماشيا مع التعاليم المسيحية السمحاء .
لقد طال ارهاب هذا النظام ايضا الكثير من الشخصيات العربية - اللبنانية منها بالخصوص - والغربية التي كان يرى فيها اصواتا كاشفه لحقيقته امام العالم الخارجي وغني عن التعريف شهيد القضية السورية مشيل سورا مثلا لذلك .
قصارى القول اننا عشنا بسجن رهيب ممتد فوق كل الاراضي السورية وتحتها شعبا معزولا بالكامل عن محيطه والعالم محاصرا ومستَنزفا ماديا ومعنويا حتى البأس، ممزقا نسيجه الاجتماعي، وكتل شبابية فتية بالعمر هرمة من الافقار والتجهيل والقمع والخوف، ودونها ودون احلامها بالتغيير عتمة القهر وجدران له من بعدها جدران .
رغم كل ذلك ولما تبدى ضوء الخلاص لم يستجب السوريون للربيع الذي لاح باندفاعات طائفية عنفيه كما ابتغى النظام بل استجابوا بتعابير سلميه وحضارية لفترة ربما تجاوزت مدتها مدة كل مثيلاتها ، وصدحت الملايين الموصومة بالارهاب تنادي بوطن واحد للجميع وبالكرامة والحرية رغم انها جوبهت منذ البداية بعنف مميز "الاسد او نحرق البلد" مترافق بضخ طائفي هائل وممنهح من النظام وحلفائه "ايران وحزب الله" .
استعرضت ما سبق بشيء من الإطالة لأقول .
اولا- ان هنالك وهماً يُراد تثبيته عنوانه الارهاب الاسلاموي أو الانظمة القمعية القائمة رغم افتقارها لأدنى مشروعية وطنية وانسانية. وبرأيي فإنه إذا ما كان هناك من ثنائيه فهي ثنائية القمع - والإفقار، هذه المتلازمة التي تتسبب بها هذه الانظمة والتي من الطبيعي ان تخلق ارضية ما من التطرف لكنها لا تتحول لارهاب منظم وتبقى بأغلبها كما ارى أحداثا متناثرة ومظاهر فرديه، ولا تتحول الى إرهاب منظم إلا برعاية انظمة وجهات ما تستفيد منها او تستمد عبرها شرعية تفتقدها .
ثانيا -علي ان اشير الى أن اي تحديث فوقي ومبالغ به مُغترب عن تربته الاجتماعية، من هنا، او تبني هذه الانظمة و ملحقاتها الدينية- المتواطئة معها بصمتها - لمبادرات وأوراق تنويرية، من هناك، بغياب ادنى الحقوق الفردية والانسانية للمواطنين، وبتغول القمع على اسس الدولة واهمها سيادة واستقلال القضاء وهما الحماية الوحيدة للشعب الأعزل، لن تتعديا كونهما حملة علاقات عامة تجميلية لهذه الانظمة، وربما ستكونا مدعاة ومحفزا للتطرف اذا لم تترافقا مع اصلاحات سياسية جاده تضمن ولو الحد الادنى من هذه الحقوق .
ثالثا - أعتقد أن هذا الارهاب الإسلاموي المنظم وقد اصبح اليوم ظاهرة عالمية " لاسباب لا مجال لذكرها الآن" شكَّل ارضية تتلاقى عندها مصالح أنظمة قمعية ويمين متطرف غربي وصهيوني وربما شرقي ومصالح اقتصاديه لهذه الجهة أو تلك. لذلك فإن المصلحة الحقيقية لشعوب الديموقراطيات في العالم المتنور و لشعوب العالم كافة وقواها الحرة هي ليست بالسكوت والصمت والتغطية المخزية على الأنظمة القمعية الديكتاتورية- المنبع والمتسبب الاساسي لهذا الإرهاب- بل بدعم شعوب المنطقة في ثوراتها ونضالها من اجل التحول الديموقراطي دعما حقيقيا - وخصوصا في سوريا- ، وبإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يُسقِط نظام الفصل العنصري الاستيطاني لليمين المتطرف ويقيم دولة وديموقراطية بحقوق متساوية للجميع .
رابعا - ان اهم النتائج لموجة الربيع الثانية وخصوصا في لبنان والعراق وايران هي ان الهلال الشيعي ومحوره الممانع الذي ادعى مكافحة الارهاب وحماية الاقليات افتُضِح وجهه وسقطت كل الاقنعة فإذا به اليوم يقف عاريا بقمعه وطائفيته ، واضحت ادواته التي قتلت مئات الآلاف من الشعبين السوري والعراقي بحجة مكافحة الارهاب هي نفسها القوة الضاربة التي تقف بوجه الشعوب وتطلعاتها بالخروج من البوتقة الطائفية الى الحرية و بناء دول مدنية ديموقراطية حديثة ، وهذا ما ستترتب عليه تغيرات مهمه في المنطقة سنراها لاحقا .
نهاية. موجات وموجات من الربيع ستأتي، فمسيرة التحول الديموقراطي قد بدأت ولن تتوقف وهي وحدها من ستقضي على هذه اللعبة الدامية "الإرهاب ".