ركّزت وثيقة المعارضة المشتركة على جملة ثوابت، واعتبرت نصا تأسيسيا تناول الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ودعت الى "اصدار قانون انتخاب عصري وديموقراطي يوفر صحة التمثيل الشعبي وصدقيته"، مطالبة "باطلاق المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين، ومنع الاجهزة الامنية السورية وملحقاتها اللبنانية من التدخل في الحياة السياسية (...) والغاء خدمة العلم وحصر صلاحيات المحكمة العسكرية في شؤون المؤسسة العسكرية".
أما التعديلات التي طرأت عليها فلم تلامس محاور جوهرية، بل اكتفت بتعزيز المطالبة باسقاط الحكومة غير الحيادية وشرح الموجبات، ودعوة المعارضة الى خوض الاستحقاق النيابي المقبل، والتوسيع في الموضوع الفلسطيني لجهة رفض التوطين والعمل على تسليم اسلحة المخيمات سلميا، واظهار التمايز بين القوى في مسألتي الوجود السوري ونشر الجيش في الجنوب".
وهنا نص الوثيقة:
"دخل لبنان مرحلة بالغة الخطورة بسبب الاصرار على التمديد للوضع الكارثي القائم، وذلك عبر تمديد ولاية الرئيس اميل لحود خلافا للدستور، الامر الذي وضع لبنان في مواجهة خطيرة مع الشرعية الدولية. وجاءت هذه الازمة لتؤكد تخلف السلطة منذ نهاية الحرب في بناء دولة قادرة على رعاية شؤون اللبنانيين عبر الخرق المتمادي لاتفاق الطائف في بعديه الداخلي والخارجي، وضرب المؤسسات العامة وتعطيل مبدأ فصل السلطات وتسخير القضاء وقمع الحريات واستشراء الفساد وتفاقم المديونية وازدياد الفقر وافراغ البلاد من طاقاتها البشرية، وفي صورة خاصة الشباب، وتدمير البيئة وصولاالى انهيار نظام القيم. اضافة الى ذلك، فان أبواب تداول السلطة والتغيير بقيت مقفلة بسبب تعطيل الآليات الديموقراطية وتحويل النظام السياسي نظاما أمنيا تشرف عليه وتديره الاجهزة السورية وملحقاتها اللبنانية.
تأسيسا على ما تقدم، ترى قوى المعارضة ان المدخل الاساس لاخراج لبنان من أزمته هو في قيام دولة مستقلة سيدة حرة عربية ديموقراطية قادرة على توفير الحياة الكريمة لمواطنيها وتعبئة الطاقات اللبنانية لمواجهة الاستحقاقات الداهمة على أكثر من صعيد.
ان قوى المعارضة تعتبر ان السبيل الوحيد لقيام سلطة فاعلة وجديرة بالاحترام هو اعادة الاعتبار الى حق اللبنانيين في اختيار سلطتهم عبر اجراء انتخابات نيابية حرة ونزيهة. وحيث ان الحكومة الحالية قد ظهر بوضوح من تركيبتها وتصرفاتها انها حكومة كيدية تعمل على تقسيم اللبنانيين وتناصب فريقا كيبرا منهم العداء، فهي حكومة لا تستطيع الاشراف على هذه الانتخابات، ولا بد بالتالي من استقالتها وتأليف حكومة حيادية من شخصيات مستقلة، شجاعة، ونزيهة وموثوق بها، تتولى:
أ – اصدار قانون انتخاب عصري وديموقراطي يوفر صحة التمثيل الشعبي وصدقيته.
ب – منع الاجهزة الامنية السورية وملحقاتها اللبنانية من التدخل في الحياة السياسية وخصوصا في العملية الانتخايبة.
ج – رفع يد الاجهزة عن الاعلام ومنع تمويل الحملات الانتخابية من المال العام والصناديق السوداء ومكافحة الرشوة واستعمال الاموال الخاصة لتزوير ارادة الناخبين.
د – تعيين أعضاء جدد محل الذين انتهت مدتهم في المجلس الدستوري على ان يتم اختيارهم من بين رجال القانون الذين يتمتعون بالكفاية والنزاهة والاستقلالية من اجل اعادة الاعتبار والثقة الى هذه المؤسسة الدستورية الاساسية.
واستنادا الى ذلك يتعين ان ينبثق من المجلس النيابي الجديد، حكومة انقاذية تتولى:
على الصعيد السياسي:
1 – العمل على تنفيذ اتفاق الطائف في بنوده الداخلية، كما في البنود المتعلقة بالوجود السوري في لبنان. واستعادة اللبنانيين حقهم في ادارة شؤونهم بأنفسهم في اطار دولة حرة ديموقراطية سيدة مستقلة، والشروع في بناء علاقات ندية مع سوريا واعادة النظر في بعض الاتفاقات المعقودة بما يكفل توازنها ويضمن مصلحة البلدين، وذلك مع تسجيل تمايز يبن قوى المعارضة، في ما خص الوجود السوري.
2 – اعادة احياء النظام الديموقراطي والمبادىء الاساسية التي يقوم عليها مع ما يؤمنه من حرية واستقلالية للسلطة القضائية واحياء لمؤسسات الرقابة، واطلاق ورشة اصلاح لتحديث الادارة، ومحاربة الفساد ووقف عمليات الانتفاع والاثراء غير المشروع بحكم النفوذ واستغلال المنصب، ورفع الحماية عن كل اشكال المصالح المافيوية والاحتكارات غير المشروعة، والكف عن تقاسم مؤسسات الدولة بين المسؤولين، والعمل على استعادة ثقة الداخل والخارج بلبنان عبر اثبات قدرة النظام اللبناني على العمل مجددا وفق قواعد الحق والدستور والقانون وبمنأى عن تأثير مراكز النفوذ والاجهزة الامنية اللبنانية والسورية وتدخلاتها غير المشروعة، سواء لدى القضاء والادارات الرسمية ام لدى شركات القطاع الخاص وأفراده.
3 – تأكيد دور لبنان شريكا فاعلا في الصراع العربي الاسرائيلي وحق الدولة اللبنانية وواجبها في تقرير مسألة الحرب والسلم ومحاذرة السياسات التي تعيد تحويل لبنان ساحة تجاذب ومساومة، واحتضانها القوى التي ساهمت في معركة التحرير من الاحتلال الاسرائيلي وحمايتها من أي استهداف ورفض كل محاولات اضفاء صفة الارهاب عليها، مع اقرار التباين بين قوى المعارضة في الموقف من استمرار عمل المقاومة وارسال الجيش الى الجنوب.
4 – التزام حقوق الانسان والحريات العامة والخاصة، وخصوصا حق المواطن في الرأي والتعبير والتجمع والانتظام في احزاب ونقابات وجمعيات واتحادات مع احترام كامل لانظمتها بعيدا من تدخل السلطة واجهزتها، واحترام حرمة المراسلات والاتصالات والتنقل، واحترام حقوق الافراد في كل ما يتعلق بالادعاء ضدهم او توقيفهم او استدعائهم امام القضاء، مع تأكيد ضرورة حماية حرية الاعلام من أي تعسف سلطوي والعودة عن الاجراءات الكيدية التي أدت الى اغلاق محطة أم.تي.في.
5 – رفض كل اشكال النظام الامني، وحصر دور الاجهزة الامنية بالامن العسكري دون سواه واخضاعها للسلطة السياسية ووضع حد لتدخلها في الشأن السياسي والغاء خدمة العلم وحصر صلاحيات المحكمة العسكرية في شؤون المؤسسة العسكرية.
6 – اطلاق المعتقلين السياسيين جميعا ولا سيما الدكتور سمير جعجع، وتأمين عودة المنفيين والمبعدين جميعا ولا سيما العماد ميشال عون.
7 – تأكيد التضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله لبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وتأكيد حق العودة للفلسطينيين، ورفض توطينهم في لبنان والعمل على تسليم اسلحة المخيمات الفلسطينية سلميا، وتأمين الحقوق الاجتماعية والمعيشية والانسانية للفلسطينيين في انتظار الحل الذي يتيح لهم الانضمام الى الدولة الفلسطينية المستقلة العتيدة.
8 – تجديد دور لبنان العربي والمساهمة في الجهود المبذولة لاستعادة الحقوق العربية كاملة ومواجهة التخلف وتأمين التطور الديموقراطي للمجتمعات العربية التي بدأت تستعيد حيويتها المفقودة على اثر تهميش دام طويلا، ورفض مبدأ الوصاية على مسار التطور لأي شعب من الشعوب، والعمل على اشتقاق طريق عربي نحو الحداثة والتقدم، والمساهمة من هذا الموقع في حوار الحضارات من اجل عالم أكثر توازنا وتضامنا وعدلا.
9 – التمسك بالقانون الدولي وبالشرعية الدولية وتأكيد رفض منطق القوة والتفرد، والتواصل مع الرأي العام العالمي الذي يدعو الى الحوار لحل المشكلات من اجل عالم اكثر عدلا واستقرارا يقوم على الاقرار بالمساواة في الحقوق والكرامة وفرص التقدم بين الشعوب رغم الاختلاف في الهويات والخصوصيات.
على الصعيد الاقتصادي – الاجتماعي
1 – اعطاء الاولوية المباشرة لعملية الاصلاح المالي من اجل كسر الحلقة المفرغة بين استمرار تنامي الدين العام والعجز المرتفع في الموازنة، والحرص على ترشيد الاستفادة من الدعم العربي والدولي في هذا المجال.
2- افتتاح ورشة وطنية عامة لاعادة بناء اقتصاد انتاجي حديث ينشط الحركة الاقتصادية ويحفز على الاستثمار الداخلي والخارجي، ولا سيما مشاركة المغتربين فيه بما يعزز التنمية المستدامة ويؤمن العدالة الاجتماعية في الداخل ويتيح المنافسة في الخارج.
3 – تحقيق التوازن والتكامل بين القطاعات، عبر دعم قطاعي الزراعة والصناعة وجعلهما اكثر اختصاصاً واكثر قدرة تنافسية وحمايتهما من المنافسة غير المشروعة والتهريب عبر الحدود المشرعة، وتعزيز التقدم المحرز في قطاعات المال والسياحة وخدمات المعرفة.
4 – الحرص على الوظيفة الاجتماعية للدولة وتجديد رأس المال البشري للبنان عبر:
أ – سياسة تربوية تكفل تطويرا متواصلا للنظام التعليمي بكل مكوناته وخصوصا التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية.
ب – سياسة صحية وطنية تتجاوز الواقع الحالي المكلف والقليل الفاعلية والعدالة نحو توفير تغطية صحية سليمة للبنانيين.
ج – سياسة تشغيل فاعلية تتولى الربط بين سوق العمل والنظام التعليمي، وتوفير التأهيل المهني المتواصل للقوى العاملة اللبنانية للحفاظ على تنافسيتها، وتنظيم دخول العمالة غير اللبنانية وفقا لحاجات السوق فقط. والاستفادة القصوى من طاقات الانتشار اللبناني.
5 – دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتأمين حضور أكبر للمرأة والشباب في الشأن العام والتعليم والاقتصاد وسوق العمل، واستعادة استقلالية العمل النقابي، وتوسيع نطاق الطبقة الوسطى كي تشكل صمام امان اجتماعي، وتعزيز انظمة الحماية الاجتماعية، وتوفير الرعاية للفئات المستضعفة والسعي الدؤوب الى دمجها اقتصاديا واجتماعيا.
6 – ايلاء التوازن البيئي اهتماما خاصا، من اجل اصلاح ما يتعرض له اللبنانيون من تشويه لاطار حياتهم المدينية والريفية وما يتعرض له لبنان من انحسار للمساحات الخضراء وتلويث للهواء والماء وانتهاك للشواطىء والجبال واستغلالها العشوائي من قبل المتنفذين، وانجاز مخطط عام لتنظيم الاراضي واستخدامها.
وبعد، فأن قوى المعارضة اللبنانية، اذ تؤكد حرصها على التنوع ضمن الوحدة، تتقدم من اللبنانيين بوثيقتها البرنامجية هذه التي ضمنتها بعض الخيارات والاقتراحات الكفيلة اخراج لبنان مما يتخبط فيه من أزمات، وتعتبر الانتخابات النيابية المقبلة محطة اساسية على هذا الطريق وتعاهد اللبنبانيين على خوض هذه المعركة متكافلة متضامنة في كل لبنان من اجل مستقبل أفضل، لنا جميعا، طال انتظاره، وهو ليس ببعيد".